حافظة الشعر العربي (الحلقة الاولى) بقلم عبد الكريم احمد الزيدي

حافظة الشعر العربي

(الحلقة الاولى)

…………………………………

 

ولكي اكون حيادي الطرح والتحليل ، فإنني سأذكر شيئا عن أوائل ما وصلنا من الشعر وأفضله ، لأترك لكم الرأي في القراءة والفهم ومدى تلذذ القارئ للصورة وجملها الشعرية ومعاني وصفها وحقيقة بيئتها التي ولدت منها .

 

وسأبدأ اولا بذكر شيء من نصوص الشعر الجاهلي، التي امتازت بطولها وفصاحة الفاظها وكثرة معانيها وتنوعها ، وقد حاول النقاد تقسيم الشعراء عموما الى طبقات اساسا في التقسيم :

الاسم والشهرة

المعاني والاساليب

الاغراض الشعرية

الجوانب الاجتماعية

 

ومن ابرز واهم النصوص الشعرية تلك التي تتقدمها ( المعلقات) التي سميت بهذا الاسم لانها كتبت بماء الذهب وعلقت على ستار الكعبة لمكانتها وبلاغتها ، فيما قيل انها سميت كذلك لانها علقت في الأذهان وهذا التعليل الراجح لتسميتها ، ولربما سميت ايضا (السموط) ويعني العقد الذي يعلق في صدر المرأة كما سميت ايضا (المذهبات) لانها كتبت بماء الذهب كما اسلفنا .

 

ولعلنا نجد من النقاد من اختار عددها سبعا وهي الارجح ومنهم من اضاف اليها لتبلغ عشرا وهي من افضل واجمل الشعر العربي وأنفسه ، وفيما يلي شعراءها ومطلع من ابيات قصائدهم :

 

امرؤ القيس

——————

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

 

طرفة بن العبد البكري

——————————-

لخولة اطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

 

النابغة الذبياني

————————

افوت وطال عليها سالف الابد

يا دار مية بالعلياء فالسند

 

الاعشى قيس البكري

——————————

ودع هريرة ان الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا ايها الرجل ؟

 

زهير بن ابي سلمى المزني

————————————

أ من أم اوفى دمنة لم تكلم

بحومانة الدّراج فالمتثلّم

 

لبيد بن ربيعة العامري

——————————-

عفت الديار محلها فمقامها

بمنىً تأبّد غولها فرجامها

 

عمرو بن كلثوم التغلبي

———————————

الا هبّي بصحنك فاصبحينا

ولا تبقي خمور الاندرينا

 

عنترة بن شداد العبسي

——————————

هل غادر الشعراء من متردم

ام هل عرفت الدار بعد توهم ؟

 

الحارث بن حلزة اليشكري

———————————-

آذنتنا ببينها اسماء

رب ثاوٍ يمل منه الثواء

 

عبيد بن الابرص

————————

اقفر من اهله ملحوب

فالقطبيّات فالذنوب

 

فقد قيل ان افضل الشعر هو شعر امرؤ القيس اذا ركب والنابغة اذا رهب والأعشى اذا طرب وزهير اذا رغب ، ولنرى المعلقة الأولى لشاعرها امرئ القيس( الملك الضليل) كما يسمى ، حيث يقول :

 

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

 

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها من جنوب وشمأل

 

ترى بعر الارام في عرضاتها

وقيعانها كأنه حب فلفل

 

ثم ينتقل الى ذكر محبوبته فيقول :

 

أفاطم مهلا بعض هذا التذلل

وان كنت قد ازمعت صرمي فأجملي

 

وان تك قد ساءتك مني خليقة

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

 

أغرك مني ان حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل

 

وما ذرفت عيناك الا لتضر بي

بسهميك في اعشار قلب مقتل

 

ثم يذهب في الوصف بجمال من احب الى قوله :

 

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

اذا هي نصته ولا بمعطل

 

وفرع يزين المتن اسود فاحم

اثيث كقنو النخلة المتعثكل

 

ليعود الى وصف الليل وحاله بأجمل الصور فيقول :

 

وليل كموج البحر إرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

 

فقلت لما تمطى بصلبه

وأردف اعجازا وناء بكلكل

 

الا أيها الليل الطويل الا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

 

حتى ينهي معلقته بوصف جواده وقوته فيقول :

 

على قطن بالشيم ايمن صوبه

وايسره على الستار فيذبل

 

وألقى ببيسان مع الليل بركه

فأنزل منه العصم من كل منزل

 

ولعل القارئ هنا يذهب به الفكر الى غياهب اعجاز اللغة ومفردتها ويتوه في استنباط معناها والقصد وان كانت في وقتها تكاد تكون مفهومة لعام الناس وأهل البادية .

 

ولكي لا اترك لهذا المنزل دالة او باب فاني سأعرض أيضًا مثالًا اخر عن شاعر اقرب الى القارئ من سواه والذي خلدت معلقته حيث يقول :

 

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

 

اعياك رسم الدار لم يتكلم

حتى تكلم كالاصم الاعجم

 

ثم يذهب شاعرنا ليذكر حبيبته التي باح باسمها لنتعرف على شخصيته فيقول:

 

يادار عبلة بالجواء تكلمي

وعمّي صباحا دار عبلة واسلمي

 

دار لآنسة غضيض طرفها

طوع العناق لذيذة المتبسم

 

ويعود الى راحلته ليرسم لنا جمالها بوصف دقيق لين فيقول:

 

وحشيتي سرج على عبل الشوى

نهد مراكله نبيل المحزم

 

هل تبلغني دارها شدنية

لعنت بمحروم الشراب مصرم

 

وينتقل شاعرنا بعد ان افاض بوصف راحلته الى الفخر والفروسية فيقول :

 

هلا سألت الخيل يا ابنة مالك

ان كنت جاهلة بما لم تعلم

 

اذ لا ازال على رحالة سابح

نهد تعاوره الكماة مكلم

 

ثم لينتقل سريعا ويقول :

 

ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

 

فوددت تقبيل السيوف لانها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

 

لينهي شاعرنا ( عنترة بن شداد) قصيدته العصماء متحسرا ان لو مات قبل ان ينتشي بضرب عدوه ، فيقول :

 

الشاتمي عرضي ولم اشتمهما

والناذرين اذا لقيتهم دمي

 

ان يفعلا فلقد تركت اباهما

جزر السباع وكل نسر قشعم

 

لقد وجدت في هذه القطعة الشعرية المنتقاة وفق وصف قائليها من الشعراء الفحول الأوائل مجالًا مفتوحا للمراجعة والدراسة المستفيضة دون ان استكمل الحلقة لباقي اصحاب المعلقات بهدف ايجاز المراد منها ، ولعل الهدف اصبح جليًا لدى القارئ بمدى الفروقات اللفظية وأسلوب وطريقة النظم للشعر في ذلك الوقت وتأثير البيئة على اختيار الحدث ، وفطرة وتمكن هذه الفئة المختارة من الشعراء على التوصيف والإشارة وانتقاء الاستعارة والتشبيه بما يتعذر علينا نحن الذين نتصدى للشعر خوض التفاصيل وتمثيل دورهم في النظم والبناء .

 

وهذا ما سنراه لاحقًا في انتقال الصيغة الشعرية وبناءها الى مسار اخر اقل تبليغا في معنى اللفظ ومراده حينما ننتقل بالشعر الى عصور احدث وبيئة تكاد تحتك بالحضر اكثر مما هي عليه في البادية وتأثير كل هذا على نمط الشعر وتوصيفه برغم التزام قاعدته واصله .

 

ولعلي ساترك للقارئ الكريم والمتابع لمزيد من الاستفادة والفهم والتعلم ان يغور في اعماق جمال هذه النصوص الثرية بالفصاحة والمعنى والجزالة وبامكانه تحصيل كافة تفاصيل مفرداتها واغراضها بالرجوع الى مصادرها ، حيث لا يسع الوقت هنا استعراضها ويتعذر شرحها وتوصيفها .

 

وهنا سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب لكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر .

 

تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى .

 

………………………………………….

عبد الكريم احمد الزيدي

العراق / بغداد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.