مربط خيلنا… خاطرة بقلم علي الشافعي

مربط خيلنا
خاطرة بقلم علي الشافعي
باريس مربط خيلنا ورصاصنا وصّل جنيف
أهزوجة ــ يا دام سعدكم ــ من التراث الشعبي الفلسطيني , تفتخر بأمجاد الأمة الإسلامية أيام كانت أمة, تذكرتها وأنا أنفض الغبار عن تاريخ غيبه أهله قصدا , لأقف عند صفحة مشرقة منه , لا أظن الكثير من شبابنا سمع بها أو قرأ عنها . ما كدت لأصدقها لولا تدعيم أكثر من مصدر تاريخي , معقول حصل هذأ , معقول وقفنا يوما على أبواب موسكو محاصرين ودخلناها فاتحين , وهرب قيصرها بجنده , واحترق مبنى الكرملين وانهار , ثم أجبر القيصر( إيفان الرابع ) بعد ذلك على دفع الجزية لإمارة إسلامية صغيرة , هي أمارة القرم التابعة لدولة الخلافة الاسلامية , والتي هي الآن من ضمن الأقاليم التي فجرت الحرب الروسية الأكرانية أو زادتها اشتعالا . تعالوا إذن نبدأ القصة من أولها , بعد أن تصلّوا على خير البرية :
القرم وما أدراك ما القرم ! القرم ــ أيها السادة الأفاضل ــ ولاية صغيرة أنشاها المغول بعد عودتهم من المشرق العربي , وقد أسلموا وعادوا ينشرون الإسلام في آسيا الوسطى , أو ما يعرف الآن باسم الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفياتي سابقا , هذه الامارة الاسلامية المقامة على أرض شبه جزيرة القرم على السواحل الشمالية الشرقية للبحر الاسود , جنوب غرب روسيا القيصرية في ذلك الوقت ,إمارة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 26الف كم , أي ثلث مساحة الأردن تقريبا , تحالفت هذه الإمارة مع دولة الخلافة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني , وأصبحت إحدى ولايات الدولة العلية .
أخذ جنود روسيا القيصرية ــ في عهد (إيفان الرابع) الملقَّب بإيفان الرهيب ــ يغيرون على قوافل الحجيج المسلمين في الأقاليم المجاورة لها , ثم قاموا بالاعتداء على إمارة القرم نفسها واحتلوا بعض مدنها الشمالية , فاستنجد أميرها(دولت كيراي ) بالسلطان الذي جهز له جيشا قوامه 120 الف مقاتل , فسار بهم في ربيع عام 1571م ، مستصحبًا معه سريَّة مدفعيَّة عثمانيَّة ، واتَّجه مباشرة إلى موسكو؛ حيث قام بالالتفاف حول التحصينات الدفاعيَّة في “سريوخوف” ومباغتةِ قوات خفر الحدود الروسية الذين أُبيدوا بالكامل ، وسرعان ما تشتَّت شملُ الجيش الروسي إلى داخل المدينة حيث بُوغتوا بالهجوم ، فلم يستطيعوا الصمود أمام نيران المدفعية العثمانية , خسر في محاولة صدِّ الهجوم العثماني القوي أكثر من 8000 جندي روسي ، ولم يتمكَّن بقيَّته من الدِّفاع عن موسكو ؛ حيث قاموا بالفرار في مشهدٍ مُزرٍ ، وطاردهم الجيشُ الإسلامي وقام بِحَرق معسكراتهم حول موسكو , فامتدت السنة اللهب إلى المدينة فأحرقت أجزاء منها , كما انفجر مستودَع الذخيرة في “سراي الكرملين” كما كان يطلق عليه وقتذاك ، ممَّا أدَّى إلى احتراقه بالكامل, كما دمر قصر أوبريشنينا أيضا , وفر ايفان ببعض الجند ، تاركًا وراءه 30 ألف فارس و6 آلاف من المشاة من حملة البنادِق الذين لاقوا القتلَ أو الحرق أو الأسر . وهرب الكثير من الأهالي بسبب الحريق , فدخل المسلمون المدينة وأطفؤوا الحرائق , وطمأنوا السكان وساعدوهم على تطهيرها من جثث القتلى , ثم عادوا إلى بلادهم بعد أن أجبروا القيصر على توقيع معاهدة يدفع بموجبها ضريبةً سنوية للدولة العلية قدرها ستون ألف ليرة ذهبية , والتعهد بعدم مضايقة أو اعتراض قوافل الحجيج والإغارة على الحدود الشمالية للدولة .
جاء في كتاب “تاريخ الدولة العثمانية” لمؤلِّفه “يلماز أوزتونا” يصف نتائج هذه المعركة: “دخل الأتراكُ موسكو وأحرقوا المدينة ، عاد الخان إلى قرم مع 150 ألف أسير، وعلى إثر انتصاره حصل على لقب “تخت – آلان” (كاسب العرش)، وأحرق الأتراكُ الذين دخلوا منتصرين موسكو حتى سراي الكرملين، وفرَّ معظمُ الأهالي وأسروا البقيَّة”. وقد استولى الجيشُ الإسلامي على خزانة القَيْصر الهارب وقتذاك ضمن ما استولى عليه من غنائم المدينة , وقد بارك السلطان سليم الثاني حاكمَ القرم “دولت كيراي” على هذه الانتصارات الباهرة ؛ بإرساله سيفًا مرصَّعًا وخلعة وكتابًا سلطانيًّا ، فضلاً عن طرد الدِّيوان العثماني للسُّفراء الروس الذين جاؤوا لإيقاف الغزوات القرمية الإسلاميَّة ” .
في عام 1783 ميلادي، في عهد الامبراطورة كاترين الثانية ، استغل الروس ضعف الدولة العثمانية , فقاموا بغزو شبه جزيرة القرم , وقاموا بطرد نصف مليون نسمة من المسلمين . وسنوا قوانين تحرّم وتمنع الدعوة إلى الإسلام . قاموا بشتى وسائل الاضطهاد الديني لمسلمي القرم . وهكذا ظلّ المسلمون في شبه جزيرة القرم يعانون الأمرّين ، إلى أن صدر قانون حريّة التعبد ، فقاموا بالجهر بالدعوة الإسلاميّة مرةً أخرى ، بعد أن كانوا يتعبّدون سرّاً.
وبعد الحرب العالمية الثانية , وفي عهد خروتشوف ــ وهو زعيم سوفييتي من أصل أوكراني ــ تمّ ضم جزيرة القرم إلى أوكرانيا ، واعتبرها هديّة إلى وطنه الأصلي ، ولكنّ هذا الأمر لم يطبّق فعليّاً إلّا بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي ، وهكذا انضمّت شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا .ثم استعادها الروس بقوة السلاح عام 2014 ,وللروس اليوم فيها أكبر قاعدة بحرية , تصول وتجول في البحر الأسود.
وبعد ــ ايها السادة الكرام ــ كانت تلك صفحة مشرقة في تاريخ نسيناه أو أنسيناه , ما أذكر أننا قرأنا عنه في مدارسنا ولا حتى في جامعاتنا , فهل هذا بقصد ام محض صدفة ؟ ذهبت القرم كما ذهبت الأندلس وفلسطين ومانيلا ( أمان الله ) عاصمة الفلبين أكثر دولة تحارب وتضطهد المسلمين في هذا العصر ,وغيرها وغيرها . وتتساءلون لم تشن حربا شعواء لا تبقي ولا تذر على الامة بحجة القضاء على الإرهاب ؟ . هل فيما قرأتم إجابة على تساؤلكم ؟ وهل تفيق الأمة من سباتها الفكري والحضاري لتعود لقيادة العالم من جديد , منيرة الدرب للبشرية بالرسالة السمحة . الاسلام الذي الصقت به كل الشبهات والقيت على شماعته كل سلبيات أهله . أما أنا فمتفائل , سيخرج من رحم هذه الأمة من يعيدها إلى مسارها الصحيح . طابت أوقاتكم .
بقلمي علي محمود الشافعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.