كان زمان… قصة بقلمي علي الشافعي

كان زمان… لسه فاكر
قصة بقلمي
علي الشافعي
في سنة 1972التحقت في الجامعة الأردنية، وأذكر أنّ موقف باص الجامعة كان في شارع صلاح الدين، قرب المنطقة الأثريّة المُسَيَّجة الآن (سبيل الحوريات), عند الموقف هناك مطعمٌ شعبي، ومخبزٌ قديم على نظام بيوت الأقواس أي السقف الجملوني، أو ما يسمى بالعقْد، كان صاحب المطعم رجلاً في الأربعين يحمل ابتسامةً لا تفارق وجهه، وكان المطعم صغيراً يتّسع لحوالي أربع أو خمس طاولات مصفوفة على الجدار.
كنّا في أيام برد عمّان القارص وصقيعها الذي يقص المسمار كما يقال في المثل؛ ندخل المطعم طلباً لدفء الأجسام والبطون. يجلس أحدنا إلى الطاولة، فيحضر صاحب المطعم وبيده صحن متوسط الحجم يسمى السرفيس( المقبلات)، يحتوي على شريحتين من الخيار ومثلهما من الفلفل والفجل والليمون، ورأس بصل أبيض جميل، وضمة صغيرة من النعناع والبقدونس، ثم يسأل ماذا تحب. فتطلب إمّا صحن حمص أو فول أو مسبَّحة، وفي ثوان تجد أمامك الصحن المطلوب، تعلوه طبقة وفيرة من زيت الزيتون الخالص الذي لا يعرف الغش، يضعه أمامك ثم ينطلق ويحضر لك صحناً صغيراً فيه خمسة أقراص من الفلافل، وباليد الأخرى كوباً من الشاي (الجامبو). يضعها أمامك وينطلق إلى المخبز ليحضر لك رغيفاً من الخبز المشروح، يحرص على أن يكون خارجاً لتوه من بيت النار. فتتناول وجبة هنيئة مريئة دفيئة، وكنا ندفع ثمناً لهذه الوجبة أربعة قروش ونصف. تُرى لو أردتَ أن تتناول اليوم مثل هذه الوجبة كم ستدفع؟
دارت الايام دورتها وتقلبنا في ديار الغربة ما شاء الله لنا أن نتقلب، وعدنا (والعود أحمد)، وذهبت إلى ذلك المكان لأجد الموقف انتقل إلى مكان آخر، والمطعم والمخبز أزيلا من الوجود وانتصبت مكانهما عمارة عجزت عن تعداد أدوارها. وجدت رجلاً طاعنا في السن يجلس على حافة الرصيف. سألته عن المطعم والمخبز فتنهد، وأخذ يردد أغنية الراحلة الحاجة أم كلثوم:
كان زمان… كان زمان.. لسّه فاكر كان زمان. طابت أوقاتكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.