من يسرق أحلامنا ..مقالة بقلم علي الشافعي

من يسرق أحلامنا
مقالة بقلم علي الشافعي
نسمع ونري ونقرأ ــ أيها السادة الكرام ـــ عن كثير من السرقات من كل الأنواع والأجناس والأشكال والألوان , من سرقة بيضة أو رغيف خبز لإشباع بطن جائعة , إلى سرقة الأفكار وإنجازات الغير , أو سرقة عرق الفقراء والمساكين المسحوقين وقوت يومهم , إلى سرقة مقدرات الوطن وتهريبها إلى بنوك بني الأصفر والأخضر والأزرق . وقد تُسرق أوطان وقد تباع , ويسمسر عليها ويتاجر بها و بشعوبها . وحد السرقة معروف , وإن كان لا بطبق إلا على المطحونين الذين يسرقون لإطعام أبنائهم , بدلا من أن يطعموهم من حاويات القمامة , أو يقتلوهم إذا لم يقدروا على إشباعهم , كل هذا سمعنا عنه وقرأنا .
أما الذي ما سمعنا به في آبائنا الأولين: فهو سرقة الأحلام والآمال والطموح . هل هناك سرقة تسمى سرقة الأحلام والآمال ؟ وكيف تكون؟ ما رايكم أن نتحرى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي , فقد نجد الإجابة على سؤالينا السابقين , ثم بعد ذلك نحكم هل هذه تسمى سرقة أم لا , وما عقاب السارق في مثل هذه الأحوال . أقول : صلوا على سيدنا أبي القاسم :
المشهد الول ـــ يا دام عزكم ـــ : فتاة كإشراقة الصباح في عمر الزهور , تصفف خصلات شعرها وتلبس مريولها وتحمل كتبها , وتنطلق إلى مدرستها كفراشة لعوب , تطير بخفة من روض إلى روض , ومن زهرة إلى زهرة , سعيدة لا تفارق البسمة شفتيها , تحلم بحياة ملؤها التفاؤل , والأمل بغد مشرق , تنهي فيه دراستها , وتتخرج من جامعتها لتخدم في وطنها , ثم تحِب وتُحَب وتتزوج , وتنجب البنين والبنات , وتربيهم خير تربية , فلا ينحنون الا لله , صالحين فاعلين في خدمة أوطانهم ,عفيفي النفوس , لا يعرفون الكذب أو الغش , ولا الخداع أو السرقة . تعود من المدرسة لتجد الزغاريد في انتظارها , هي لا تعرف السبب , فتقول لها أمها : مبروك يا حبيبتي مبروك , جاءك السعد والهناء , في الداخل عريس قادر ومقتدر , سيجعلك ست الستات . قد يكون العريس الموعود الذي لم تلد مثله الولادات ضعف سنها , إن لم يكن من جيل والدها , رجل أنعم الله عليه فاستغل ذلك في إغراء الأهالي بالمال لتحقيق نزواته وشهواته .
لا تعطى المسكينة الفرصة لقوْل رايها , وهي وليست أصلا في سن يسمح لها بذلك , لتجد نفسها في نهاية المطاف تساق كالشاة إلى المجزرة . وقد شاهدت وسمعت وقرات كثيرا عن مثل هذه الحالات , أذكر منها الطفلة اليمنية التي تناقلت وسائل الإعلام قصتها , فهي في الحادية عشرة زوجت برجل تمانيني فاستشهدت ليلة زفافها . أليس هذا بالله عليكم سرقة للأحلام وسحقا للطفولة ؟
المشهد الثاني : طفل في مقتبل العمر , يحلم بمستقبل واعد , مجد ومجتهد تضطره ظروف أهله إلى ترك المدرسة , ليعمل صبيا في إحدى الورش , ليكسب دراهم معدودة , يساعد في إطعام بطون خاوية , فتكون النتيجة ضياع مستقبله وأحلامه وآماله وطموحاته , إضافة إلى تعلمه على صغره لغة الورش والأسواق , رغم أن القوانين تمنع عمالة الأطفال , لكنها لا تضع بديلا لذلك . تصوروا ــ رحمكم الله ــ طفلا بين مجموعة من الكبار , أين ذهبت طفولة وأحلام وتطلعات هذا الغلام , وكف سلبت؟
المشهد الثالث : شاب طموح نبيه مجد مجتهد باحث عالم , يُقدّر له إنجاز بعض الاختراعات التي تفيد الوطن وترفع اسمه عاليا , في عصر العلم والتكنولوجيا والاختراعات والاكتشافات , فيساوَم عليها , ويجد من العراقيل الشيء الكثير ولا ينال براءة الاختراع , بل يقاوَم ويحاسب ويعاقب ويغيّب عن وسائل الإعلام , فيدفن حلمه ويقتل طموحه , أو يهِّرب اختراعه ويهرب للخارج ليُبتزَ أيضا هناك , فمن لم يحمه وطنه ولا يكون حنونا عليه , لا يعطف عليه الغرباء . فيُقضى على طموحاته وأحلامه .
مشهد رابع : رجل أعمال طموح مجد , يريد أن ينفذ مشروعا اقتصاديا في وطنه , يشغّل فيه عددا من طوابير العاطلين عن العمل في وطنه , ويبيع السلعة لأبناء الوطن بنصف ثمن المستورد منها , فيتعارض ذلك مع أطماع المستفيدين المتنفذين , فيقفون له مثل اللقمة في الحلق , وتوضع أما مه عراقيل الترخيص , واستيراد المواد الخام مما يجعله يغادر البلد بأمواله , ليستثمرها في بلد مستقر , يرحب باستثماراته . فكم من مشاريع في بلاد بني عرب لم تنفذ بسبب الروتين والبيروقراطية , والعراقيل المقصودة وغير المقصودة . فهل سرق طموح هذا الرجل ؟ وهل يعاقب السارق ؟
ما رأيكم ــ يا دام مجد آبائكم ــ أن ندخل في العمق قليلا , يا خوفي من الحديث في العمق , لنري أين سيودي بنا , على كل لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .
المشهد الاول : حاكم تسلط على رقاب شعبه , يقول لهم : إما أن أحكمكم أن أذبحكم , ولا خيار عندي ولا فقوس , الكل سواسية في الجرم و في العقاب . فكم قتل وكم عذّب وكم شرّد , وكم هدّم وكم سبا وكم ارتكب من المجازر , سرق وباع مقدرات الوطن وأنفقها على الغواني في مواخير السياسة . ليجد الوطن نفسه أسير قوى أجنبية تسيره كيف تشاء.
مشهد ثان : حاكم يخوض حربا رعناء لم يخطط لها تودي بالوطن , ثم يتنصل من تبعات ذلك , ويقول : هي نكسة أراد العدو الإطاحة بي فلم يقدر , لذلك هو المهزوم ونحن المنتصرون . وسنرد له الصاع صاعين . ويرد الصاع خمسة ولكن لأبناء الوطن . ويبقى العدو يصول ويجول .
مشهد ثالث : شعب بكامله يجد نفسه بين عشية وضحاها بلا مأوي , الكل تآمر عليه , والكل حاصره وساند محاصريه , والكل يبتعد عنه ويتنصل منه كبعير أجرب . اليس هؤلاء جميعا مسؤولون ساهموا في سرقة أحلامه وآماله , أعملوا خناجرهم في ظهره كي لا يُسمع صوته . والطامة الكبرى أن هؤلاء هم ـــ بتخاذلهم ورعونتهم وسوء تخطيطهم ــ السبب المباشر في عذابات هذا الشعب , ثم يتنصلون من تبعات ما حل بهم من الهزائم , ويتربعون على عروش ورثّها لهم الآباء والأجداد , فهم المالكون لرقاب هذه الشعوب .
في طفولتنا كنا دائما نردد نشيد بلاد العرب أوطاني , ونحلم بالوحدة العربية من محيطها إلى خليجها , وكبُرنا لنري الفرقة تزداد يوما بعد يوم , ليجد الواجد منا نفسه يقف بالساعات على شباك ختم الجوازات , ليعْبُر من بلد عربي لآخر . في وقت يجوب مواطنو دول الاتحاد الأوروبي كل دول الاتحاد بالهوية فقط . ألا يعتبر هذا سرقة لحلم أمة انتظرت وحدتها قرنا من الزمان وما زالت تنتظر . من يسرق هذه الاحلام ؟ ومن يقتلها ؟
أقول ــ أيها السادة الكرام ــ هل حقا سرقت أحلامنا ؟ وهل يحاسب القانون من يسرق الأحلام ؟ طابت أوقاتكم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.