عمّالنا في عيدهم …خاطرة بقلم علي الشافعي

عمّالنا في عيدهم
خاطرة بقلمي: علي الشافعي
الأول من أيار ــ أيها السادة الكرام ــ عيد العمال، والذي توافقت عليه معظم بلدان العالم في شتى بقاع الأرض، لتكريم العامل الذي سُحِق وسلبت حقوقه على مر العصور، رغم أنّه المنتج الحقيقي، والذي يدير عجلة التنمية في الوطن، فهو العامل والفلاح والمعلم والجندي والموظف، وكل من يقدّم خدمة للوطن وأبنائه. والمشكلة أن الجميع يحتفلون بهذا اليوم إلا العامل نفسه صاحب الشأن , فكثير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص ترفض منحه إجازة في هذا اليوم , عوضا عن أن تكرمه أو تقدم له هدية رمزية تكون له حافزا على الجد والاجتهاد , الأمر الذي يعود نفعه بالتالي على صاحب المؤسسة ,اما قطاع الحكومة فحدث ولا حرج واشبع شعارات وخطب رنانة لا تشبع بطن عامل من عمال الوطن . ما قصة هذا العيد وتوقيته ؟ فتعالوا أخبركم بعد أن تصلوا على خير البرية :
في العصور الوسطى وعصر الإقطاع اعتبر العمال والفلاحون عبيدا عند رب العمل، فملكية الأرض في القرى لرجل واحد، يتعهد بتقديم أكبر قدر من الضرائب للدولة، بالمقابل يكون جميع أهل القرية خدما له ولأهل بيته، مقابل لقمة خشنة وبعض الملابس مما استغنى عنه أهل بيت الباشا أو العمدة الذي تمده الحكومة بوسائل القوة من من رجال وسلاح . لقمة معجونة بالدم وعرق الجبين ، وسياط تلهب الظهور إن تقاعس أحدهم عن العمل . ولم يكن عمال المصانع بأحسن حالا من الفلاحين، فهم أيضا مهضومو الحقوق، آلات تدير آلات ، خاصة أثناء الثورة الصناعية في أوروبا، إلى أن جاء يوم ثاروا فيه على الوضع ودفعوا من دمائهم الثمن، وكان على رأسهم عمال شيكاغو في الولايات المتحدة في الأول من أيار من عام 1886حيث قاموا بإضرابٍ شامل، مطالبين فقط بتقليل ساعات العمل لثماني ساعات، ورافعين شعار ” ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع”. ولم يوافق أرباب العمل على هذه المطالب، وتدخلت الحكومة، فُقتِلَ العديد من المتظاهرين على يد الشرطة، وسُجِنَ عددٌ من كبار العمال، الذين أُعدِمَ بعضهم، وحُكِمَ على البعض الآخر بسنوات من السجن طويلة.
وفي عام 1894 حدث إضراب بولمان، والذي مات فيه عددٌ من العمال على يد الجيش الأمريكي، الأمر الذي حدا بالرئيس الأمريكي (غروفر كليفلاند ) لبحث طرق صلحٍ مع حزب العمل، وليقر عيد العمال وحق العمال في عطلةٍ في ذاك اليوم، لتجنب حدوث أعمال الشغب واستمرار العنف والمظاهرات والقتل والتخريب.
توالت الاحتجاجات بعدها فطالت أوروبا ، لتقر الحكومات بحقوق العمال وتصدر قانون العمل، والذي يعتبر في بلادنا حبرا على ورق، فقط لنقول للأمم المتحدة : إننا أمة متحضرة، وعندنا قوانين تضمن حقوق الكادحين.
تعرفون ــ يا دأم سعدكم ــ أن أكثر من ثمانين بالمئة من المواطنين بلادنا من العمال الكادحين، أو الفلاحين المتشبثين بأرضهم، ما سمعنا يوما بان هناك عيدا للعمال، وأن العامل يقدَّر في هذا اليوم، أو ترد له حقوقه المسلوبة أينما حل أو ارتحل. في هذا اليوم تعطل المدارس والدوائر الرسمية وشبه الرسمية، بينما يبقي العامل في مصنعه والفلاح في أرضه يديران عجلة التنمية على أرض الوطن.
في البلاد التي تحترم مواطنيها، يعتبر هذا اليوم احتفالا عارما في كل مصنع ومنشاة حكومية أو غير حكومية، يغَّرم فيها صاحب العمل التي يثبت أن منشاته عملت في ذلك اليوم، أمتنانا من أصحاب المصانع والدوائر الحكومية لعمالها، فيوزعون والحوافز والهدايا والعلاوات على العمال والفلاحين، وتتسابق المصانع في طريقة الترفيه عن عمالها وتكريمهم، فتنظم لهم الرحلات، وتسهل عليهم شراء حاجياتهم من مسكن وملبس وأثاث بالتقسيط وبأفضل الاسعار، والعامل إذا نال حقوقه وكّرم فانه يخلص في عمله، فلا يغش ولا يخون
في اليابان قبل أعوام قام مديد مصنع بتكريم عماله بطريقة عجيبة، حيث قام بغسل أقدامهم في الصباح وهم داخلون إلى المصنع قائلا : نحن عمال عندكم، إذ لولاكم ما نجح هذا المصنع، تماما كما يحصل في بلادنا، بالله عليكم كيف سيكون حبهم لمصنعهم، وتجاوبهم مع التعليمات، بالمناسبة اليابان هزمت في الحرب الكونية الثانية وحملت على اكتافها أكثر من خمسة ملايين بين أرملة ويتيم ومشوه ومعاق.
قبل أيام اصطادت كاميرا هاتف أحد المواطنين في دولة ما وزيرا يتجول في أحد شوارع العاصمة، وأثناء تجوله توقف عند ماسح أحذية، ثم قام بتناول الفرشاة منه ومسح حذاء أحد الزبائن، قائلا : لولا أنتم ما أصبحنا وزراء. فهل يأتي يوم يترك فيه وزراؤنا ومديرو دوائرنا مكاتبهم الفخمة، متجولين في الأماكن العامة، والاسواق دون حراسات وكاميرات، مطلعين مباشرة على أحوال الناس ومعاناتهم، ولو حصل هذا لما ارتفعت سلعة في الوطن.
وبعد ــ أيها السادة الكرام ــ يقولون : عاملنا غير مخلص وفلاحنا غشاش، لا تخرج السلعة من بين أيدهم بالمواصفات المطلوبة. فهل نال هذا العامل حقوقه لنطالبه بأداء واجباته على أكمل وجه، وهل خففت الضرائب والرسوم والمكوس على مدخلات أنتاج الفلاح حتى يبيع السلعة للمواطنين غير مغشوشة.
في خضم هذه المعمعة ــ يا دأم مجد أهليكم ــ تضيع حقوق عامل يعمل من خلف الستار دون كلل أو ملل، إنها المرأة ربت البيت، فضغوطات العمل على رب الاسرة وقلة الراتب وازدياد الضرائب عليه، لا تتيح لها فرصة الاستراحة يوما واحدا تلتقط فيه انفاسها ، حيث تسعى جاهدة لتدبير احتياجات الأسرة من راتب يتأكل يوما بعد يوم، لتمتلئ جيوب وكروش أصحاب السعادة , ألا يحق لها أن تجلس مرة في السنة في مطعم يقدم لها الطعام ولا تعده هي . كل عام وعمالنا بخير. طابت أوقاتكم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.