القناع… البحر الوافر بقلم الشاعر سمير الزيات

القناع
البحر الوافر
ـــــــ
1ــ مقدمة
رأيتُ الناسَ في كـلِّ البـقاعِ
فحار العقـلُ في شتى الطـباعِ
رأيتُ الناسَ كالأمـواجِ تجـري
تُلاطِمُ بعضها صـاعًا بصـاعِ
فذا وجـهٌ بريءٌ لا يُبـالي
وذا وجـهٌ تقنَّـعَ بالقنـاعِ
وذا مَرءٌ رقيـقٌ كالأمـاني
وذا مرءٌ فَـدُومٌ لا يُراعي
وذا خـلٌّ أتاني في سـروري
وفي حُزني مضى قبل استماعي
***
2ــ أنا وقومي
عجِبتُ لما أرى من أمـرِ قـومٍ
أضاعوني ، وهمُّــوا بالضَّياعِ
إذا أقبلتُ بالأمـرِ المُـرجَّى
تنكَّـرَ بعضُهم جَهدَ اصطناعي
تخطَّفَ سمعَهم مُحتالُ أمـرٍ
أتى بالأمـرِ غيرِ المُستطـاعِ
توشَّحَ من خداعِهِ بين قومي
فجاءَ النَّاسَ مرفوعَ الذِّراعِ
ليَخطُبَ في جُموعِ النَّـاسِ أمري
يسُبُّ مقولَتِي ، ويفُـلُّ باعي
إذا بالنَّـاسِ ينصرِفونَ عنِّي
وغُلَّ الصِّدقُ أغلالَ الخداعِ
فإن نطقَ اللسانُ هنا بحرفٍ
تنقَّـلَ غيرُهُ في كـلِّ باعِ
وتلدغُني الشفاهُ بقولِ زورٍ
وتنهشُني كأنيـابِ الأفاعي
وأصبحَ جمعُهم يحتالُ غيِّي
فما وجدوا بديلاً لامتناعي
***
3ــ السلطان
ويُحكى أنَّ في الأمثالِ فدمًا
ضعيفَ العقل ، مُختلَّ السَّماعِ
عقيمَ الفكـرِ ، مهووسًا ، يعاني
بداءِ المُلكِ ، منكوصَ المساعي
تغلغلَ في قلوبِ النَّاسِ حتى
تملَّكَ أمـرَهم دون اقتراعِ
فآنس في خضوعِ النَّاسِ مُلكًا
وأصبحَ أمرُهُ في النَّاسِ راعِ
توقَّفَ بعضُهم يدعونَ بعضًا
وكلُّ النَّـاسِ مدْعُوٌّ وداعِ
تأمَّرهم فيأمُـرُ ثمَّ ينهي
ويحكمُ حُكمَ سلطانٍ مُطاعِ
وفي يومِ المُنى والناسُ نشوى
بحبِّ عزيزِهم طولَ البقاعِ
أتى والشَّرُّ في عينيهِ يبـدو
أتى والوجهُ من غيرِ القناعِ
فيمسكُ في اليمينِ بزيف وجهٍ
ويُمسِكُ في شمالِهِ بالسباعِ
فباغتهم بجهـلٍ يعتريهِ
وطارد مُكرميهم كالرِّعاعِ
فأذعنَ بعضُهم والبعضُ فـرُّوا
فما عُرِفَ الجبانُ مِنَ الشُّجاعِ
فكبلهم قيودَ الذُّلِّ قهرًا
ويقتلُ من مشى في النَّاسِ داعِ
ويأخذُ مالهم ، ويطيحُ فيهم
ويضرِبُ بالسُّيوفِ ولا يُراعي
وصار العـزُّ في بلـدٍ كريمٍ
أسيرَ الذُّلِّ مكسورَ الذِّراعِ
وسَار بجندهِ في النَّاسِ يزهـو
يُباهي في سمُـوٍ وارتفـاعِ
يُبَـدِّدُ حُلمَهم ، ويعيثُ ظُلمًا
يُثيرُ الذُّعرَ في كلِّ اجتمـاعِ
فلـم يرعَ حقوقَ اللهِ فيهم
ولـم يسلِمِْ رعيِّتَهُ الدواعي
وأمسى فاغرًا شِدْقَيْهِ فخْـرًا
تعالى واعتلى من غيرِ داعِ
فلو وجدَ المُمَانِعَ ما تعـالى
وأخفى ضعفهُ تحتَ القناعِ
***
4ــ الوداع
وهذا من أُحِبُّ وقد أتاني
يُهدِّئُ ثورتي قبلَ الوداعِ
ويُقسمُ أنهُ يوماً سيأتي
يُروِّي لوعتي وجوى التياعي
وأَقسمَ أنني كلُّ الأماني
فإن طالَ الحنينُ فلا أُراعي
فجرَّبتُ المذلَّةَ علَّ يبقى
فولَّى مُسرِعًا دون استماعي
ولم يأْبَهْ ، ولم يسمَعْ رجائي
وأزمعَ هارِبًـا كلَّ الزِّمَـاعِ
وكنتُ أُجاهدُ الأشواقَ حينًا
وأبكي حبَّهُ دون انتفَـاعِ
فأنَّى سِرتُ تتبعُني شُجوني
وأنَّـاتي تُصرُّ على اتِّبَـاعي
وأفواه الجوى فُتِحت أمامي
تُريدُ النَّيْلَ مِنِّي وابتلاعي
فأحسستُ الحياةَ تضيعُ منِّي
وأنِّي ضائعٌ كلَّ الضيـاعِ
لقد مرَّت سنونٌ ذُقتُ فيها
كؤوسَ الشَّوقِ من غيرِ ابتداعِ
فما عَـرَف الفؤادُ لهُ بديلا
ولا عَـرَف المَلالُ سوى امتناعي
إلى أن جاء في يده بديلي
وحاورني بخُبثٍ وامتقاعِ
وأخبرني بأنَّ لهُ حبيبًـا
عظيم الشأنِ موفورَ المساعي
تمكن من هَـوَاهُ وما توانى
لأن الحظَّ يُؤْخذُ بالصِّراعِ
نظرتُ إليهِ أشكو نَـار قلبي
وأنَّـاتي ودمعي والتياعي
نظرتُ لكفِّهِ فوجدتُ فيها
قناعًا جلدهُ جلدَ الأفاعي
نظرتُ لوجههِ فعرفتُ أنِّي
خُدِعتُ مِنَ الهوى ومِنَ القناعِ
عرفتُ بأنَّني أَشْقيتُ نفسي
وأنَّهُ قد تمكن مِنْ خداعي
فما أخزاه شوقي وانتظاري
ولا أبكاهُ وجدي أو ضياعي
***
5ــ العالِم
وحادثتِ الشِّفاهُ حكيمَ قـومٍ
أتى بالعلمِ من كلِّ البقاعِ
فزادَ العقلُ إيمانًا بعلـمٍ
يُنيرُ الكونَ يبرقُ كالشعاعِ
تدارسَ علمهُ عقلاءُ ملُّوا
عقيمَ الفكرِ مِنْ جهلٍ مُباعِ
وأنكرَ جاحدٌ للعلمِ قدرًا
وأزمع جاهلٌ خلفَ الرِّباعِ
***
فهذا عالِمٌ بالخيرِ يدعـو
جموعَ النَّاسِ في خيرِ اجتماعِ
يُبشِّرُ مَنْ خطا للخيرِ باعًا
ويلعنُ من خطا خطو اللكاعِ
فأقبل مُذعِنٌ للأمرِ طوعًا
وأعرضَ مُعرِضٌ دونَ استماعِ
***
وهذا مُغرمٌ بالشَّرِّ يبغي
ضلالَ الناسِ في سُبُلِ الصِّراعِ
فيهمسُ بالوداعةِ همسَ سحرٍ
يُضلِّلُ باقتدارٍ وابتداعِ
يُزيِّنُ شَرَّهُ ، ويبيعُ وهمًا
ويُتقِنُ كلَّ أصنافِ الخداعِ
تجمَّلَ للورى في خيرِ وجهٍ
ويُخفي قُبحَهُ خلفَ القناعِ
فأَذعَنَ لاستماعِهِ كلُّ خَتْلِ
ومانعَـهُ بوعيٍ كـلُّ واعِ
تجمَّع حولَهُ الجُهَلاءُ حتى
تفشِّى أمرُهم في كلِّ باعِ
فسار بجمعِهم يحتالُ غـيًّا
يدوسُ بشرِّهِ كلَّ البقاعِ
ليقتلَ عالماً للعلمِ يدعـو
بقلبٍ جاحدٍ دونَ ارتياعِ
فلا مات الحكيم ، ولا تهاوى
مَعَ الأيام علمٌ بارتداعِ
فقوله في القلوبِ له رنينٌ
وحكمتهُ أنارتْ كالشعاعِ
ومازالت رياحُ الشَّرِّ تدوي
ونورُ الحقِّ من دونِ انقطاعِ
***
6ــ خاتمة
غريبٌ أمـرُ دنيانا غريبٌ
وجودُ الصِّدقِ في كهف الخداعِ
عجيبٌ أمر دنيانا عجيبٌ
وجود الحبِّ في سُبُلِ الصراع
فكلُّ الناس في خيرٍ وشرٍّ
وكلـهم ضَعيفٌ للدواعي
فهل للموتِ غيرُ اللهِ قاضٍ ؟
وهل للناسِ غيرُ اللهِ راعِ ؟
فما بالُ الخليقةُ لا تُبالي
بمن خلقَ الحياةَ ولا تُراعي
فبعضُهمُ تمادى في هواهُ
وبعضُهمُ تقنَّعَ بالقنـاعِ
يُبدِّلُ خِلقَةَ الرحمنِ حينًا
وحينًا وجهَهُ دون ارتياعِ
أيحسبُ أنهُ يحيا طويلًا
وأنَّ الموتَ يغفلُ أو يُراعي
فمن يأمل بأن الموتَ ينسى
لِيَفعَلْ ما يرى دون ارتداعِ
***
الشاعر سمير الزيات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.