الجزءُ الأَوّلُ من نظريةِ الروحِ والنفسِ مقال بقلم محمد خليل المياحي

مقال نظرية
الجزءُ الأَوّلُ من نظريةِ الروحِ والنفسِ الشاملةِ للميّاحي
( الجزء الثاني سيتبعه في منشور آخر لعدم ٱستيعاب الفيس بوك )

نَظَرِيَّةُ الرُّوْحِ والنَّفْسِ الشَّامِلَةُ
لِلْمَيَّاحِي
( نَظَرِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ شَامِلَةٌ جَدِيْدَةٌ )
ٱكْتِشَافِي وَمَفْهُوْمِي وَتَحْدِيْدِي وَتَأْلِيْفِي
الْفَيْلَسُوْفُ الْبَاحِثُ الشَّاعِرُ الأَدِيْبُ
السَّفِيْرُ الْعَالَمِيُّ لِلثَّقَافَةِ وَالسَّلَامِ
د . مُحَمَّد خَليل الْمَيَّاحِي / العراق
Dr _ Mohammed Khaleel AL _ Mayyahi / Iraq
رمضان 1444 هجريّة / نيسان أَبريل 2023 ميلاديّة

النظرية
1. المقدمة
لقد راجعت أَغلب ما قِيل وكُتب عن الروح والنفس من
قبل الفلاسفة والعلماء والمفكرين عبرالتأريخ فوجدت
قسما منه كلاما ملتفا مبعثرا مفتوحا ليس له إثبات وفيه
تشابه وٱختلاف وتناقض ويداخله الإِبهام والإيهام ،
ووجدت القسم الآخر مقبولا بحدود معقولة وفيه نسبة من
الحقائق نسبة إلى القياسات الإِيمانية والمنطقية ، مع
أنهم جميعا لم يقدموا نظرية شاملة كاملة واضحة المعالم
والحدود مع الأدلّة المقنعة الكافية ، كذلك لم يتطرقوا إلى
كيفية تَولُّدِ الروح والنفس ببثّهما بعد إِيجاد الخلق الأوّل
ولم يذكروا مفهوما وتعريفا شاملا محددا واضحا للروح
والنفس ، كما أنّهم وضعوا أنواعا للنفس وهو أمرغير
صحيح لأَنَّ الأصل واحد ولٰكنّ منظومة صفاتها
وخصائصها مختلفة ٱعتمادا على التكوين الخلقي للكائن
الحي الذي له روح ونفس ، وتناسبا وٱنسجاما مع طبيعته
وعقله وإحساسه وإدراكه وقدراته ، بالإِضافة إلى إِنَّهم لم
يفصلوا فصلا محددا واضحا بين الكائنات الحيَّة التي لها
روح ونفس وبين الكائنات الحيَّة التي ليس لها روح
ونفس ، كما لم يذكروا أَسبقية الحدوث بين تعطّل وتوقف
الجسم الحيواني عن أَداء فعالياته تماما ، وٱنفصال
الروح عن الجسد وخروجها منه ، وموت وتوفّي النفس.
وعلينا أن نشير إلى أنّ علم الروح وماهيتها من أمر الله
لا يعلمها أحد إِلَّا هو سبحانه خالقها ، ولكن مع هذا فإِنّي
عرّفت الروح تعريفا ومفهوما عاما توافقيا إيمانا بقدرة
الله وتعظيما لها مع تضمين الٱتّصال والٱندماج والٱتحاد
بين الروح والنفس والجسم ، مع الأخذ بنظر الٱعتبار
أنّ النفس أكثر قربا من الروح إلى علم وإدراك الإِنسان
لأنّها كيانه كلّه تدركه ويدركها في حسِّه وإِحساسه
ومشاعره ورغباته وتفاعلاته وٱنفعالاته وتأْثيراته
وصراعاته وتقلباته داخل كيانه داخليا وبٱتجاه غيره
وما حوله من الموجودات والمؤثِّرات .
كما أُشير إِلى أَنّي ٱثرت أَن أُقدّم مواد النظرية ومفاهيمها
وأَدلّتها بلا نقل ولا نسخ أَو تكرار، وأَحرص على كتابتها
وتقديمها بلغة فصيحة محكمة واضحة مترابطة مفهومة
بلا قطع وتشتّت وٱنفلات وبلا غموض و صعوبة.

2. فحوى ونصّ النظرية
فيما يلي نصوص مَوادَّ النظرية مع دلائل الإِثبات :
أَ. المادة الأُولى / تحديد الكائنات الحية التي لها روح
ونفس ، والكائنات الحية التي ليس لها روح ونفس
( مفهومي وتحديدي الجديدان مع الأدلة ) :
قبل التحديد علينا أن نذكر الحواس الخمسة
والحواس المضافة ومظاهر الحياة لإنّها أساس
الٱعتماد في التحديد ، لذا فإنّ الحواس الخمسة هي
البصر والسمع والشمِّ والتذوق واللمس ، والحواس
المضافة الأخرى هي الإِحساس بالحركة والتوازن
للجسم والإحساس بالأَلم والإِحساس بالحرارة
والإِحساس بالٱحتياج الداخلي ( الشبع والجوع
والعطش وقضاء الحاجة ) والإِحساس بالزمن
( مرور الوقت ) والإِحساس بموقع أطراف الجسم
( الرأَسِ واليدين والرجلين ) والإحساس بالجلد
( الحكة وغيرها ) والإِحساس بالمشاعر والعاطفة
والإِدراك الداخلي والخارجي ، أمّا مظاهر الحياة
للكائِن الحي فهي التنفس ، والتغذي والأَيض ،
والنمو ، والتكاثر ، والحركة والتنقل والإِحساس ،
والتكييف .
وفيما يلي التحديد :
أَولا. الكائنات الحية التي لها روح ونفس :
( أ ). الكائنات الحيوانية الفقرية ( بضمنها
الإنسان ) والكائنات الحيوانية اللَّا
فقرية لها روح ونفس لأنّها تمتلك
العقل والحواس ومظاهرالحياة ، كما
إنّ الآية رقم 38 من سورة الأنعام في
القرآن الكريم قد دلّت عليها ﴿ وَمَا مِن
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُبِجَنَاحَيْهِ
إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن
شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾.
[ سورة الأنعام الآية 38 ]
( ب ). الجنّ كائنات غيبيّة غير ظاهرة ولا
ومنظورة ، ولها منظومة خلق إلٰهيّة
خاصة بها ، وليس من ٱختصاصنا
البحث فيها لأنّها خارج الواقع المادي
للإنسان ولكنّي ذكرتها للإحاطة والذكر
ٱعتمادا على القرآن الكريم وٱستنادا
إليه فقط .
(ت). الملائكة كائنات غيبية غير ظاهرة ،
ولها منظومة خلق علوية خاصة في
النفس والروح والتكوين لأَنّها من
أَدوات القدرة الإلٰهية لتنفيذ واجباتها
المناطة إليها في السيطرة الكونية
على الخلق تجاوزا للزمان والمكان ،
لذا فليس من ٱختصاصنا البحث فيها
لأَنّها خارج الإطار المادي للإِنسان
ولها فوقية عليا ولٰكنّي ذكرتها
للإِحاطة والذكر ٱعتماداعلى القرآن
الكريم وٱستنادا إِليه فقط.
ثانيا. الكائنات الحيَّة التي ليس لها روح ونفس :
( أ ). النباتات ليس روح ونفس لإنّها لا
تمتلك العقل والحواس ولكنّها تمتلك
مظاهر الحياة إلّا الحركة والتنقل
والإحساس ، ولها نظامها الخلوي
الخاص بها ، كما إنّ موت النبات
يختلف تماما عن موت الكائن
الحيواني ، بالإضافة إلى إنّ الله تعالى
لم يذكر الروح والنفس للنبات في
القرآن الكريم.
( ب ). الفطريّات والطلائعيّات والعتائق
والبكتريا ليس لها روح ونفس
لأنّها لا تمتلك العقل والحواس ،
وتمتلك قسما من مظاهر الحياة
، وهي كائنات حيّة دقيقة لا ترى
بالعين المجردة إلّا قسم من
الفطريات ، وهي لا تعد من
الحيوانات ولا من النباتات ، ولها
نظامها الخلوي الخاص بها .
تنويه : لا تعد الفيروسات من
الكائنات الحيّة لأنّها لا تعيش ولا
تتكاثر إلّا في خلية العائل ( إنسان ،
حيوان ، بكتريا ).
ب. المادة الثانية / تَوَلُّد الروح والنفس
( ٱكتشافي ومفهومي الجديدان مع الأدلة ) :
تتولد الروح والنفس للكائن الحيواني تَوَلّدا ذاتيا
تدريجيّا متّصلا بالخلايا الحية مندمجا متّحدا معها
بواسطة عملية التناسل والإخصاب حسب نظام الأَحياء
الخلوي ( بيولوجيا الخلية ) ونظام فسلجة الجسم
للكائن الحيواني عن إِيجاد وبثِّ الخلق الأَوَّل للكائن
أَي أَنّ الله لا يُوجِِد وينفخ روحا ولا يخلق نفسا من
خارج جسم الكائن في كلِّ مرَّةٍ لكل كائن جديد بعد
عملية الإخصاب وتَوَلّد الكائن ، وبمعنى آخر أَنّ
الروح والنفس تتولّدان بعد عملية التناسل والإِخصاب
ذاتيًّا بشكل تدريجيّ عبرالسلسلة التولّدية للكائن
الحيواني حسب نظام الأَحياء الخلوي وفسلجة
الجسم للكائن الحيواني عن إِيجادِ وبثِّ الخلق الأَول
للكائن . ودلائِل الإِثبات هي :
أَوَّلًا. الدليل القرآني كما ورد في الآية الكريمة رقم
1 من سورة النساء ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
[ سورة النساء: 1 ]
حيث أَستدل منها إَنَّ معنى البثِّ في جملة
( وبثَّ منهما ) في الآية هو النشر ولا سيما
قد سبقتها جملة ( وخلق منها زوجها ) ولو
كان البثُّ بمعنى الخلق لجاءت الجملة
( وخلق منهما ) بدل ( وبثَّ منهما ) وهذا
يؤكد أَنَّ الروح والنفس لا تُخلقان بشكل جديد
من خارج جسم الكائن في كلِّ عملية إِخصاب
وتَوَلُّد الكائِن لأَنّ الروح والنفس قد خُلِقتا مسبقا
في الخلق الأول وَإِنما تتولدان ذاتيا في جسم
الكائن حسب نظام الأَحياء الخلوي للكائن بعد
عملية الإخصاب وتَوَلُّد الكائن ، مع إِنَّ معنى
خلق هو أَوجد الشيء بعد أَن كان غير موجود ،
ومعنى بثَّ هو نشر.
ثانيا. الدليل العلمي المنطقي هو أَنَّه لو تُنفخ الروح
وتُخلق النفس بشكل جديد من خارج جسم
الكائن بعد كلِّ عملية إِخصاب وتولُّد الكائن
فسيكون الأَمر غير منسجم ويتعارض مع
تحديد النقطة التي تُنفخ الروح فيها وتُخلق
النفس ٱبتداء من ٱنتهاء عملية الإِخصاب
وٱنتهاء بعملية تكوُّن الجنين كون إنّ عملية
تكوُّن الجنين بعد عملية الإخصاب مباشرة
عملية تفاعليّة تدريجيّة متّحدة مترابطة
مستمرة تكامليّة غير مجزَّأَة في الخلايا الحيَّة
، وما دامت هكذا وغير قابلة للتجزيء ،
عليه إِذن لا ينسجم ولا يتوافق نفخ الروح
وخلق النفس من خارج جسم الكائن مع تحديد
وٱختيار نقطة زمانية مكانية لبث الحياة في
الكائن بعد عملية الإِخصاب وخلال مراحل
تكوّن الجنين لتكون الحد الفاصل بين الَّا حياة
والحياة مما يدلِّل بالإِثبات على أَنّ الروح
والنفس تتوَّلدان بشكل ذاتيّ تدريجيّ في جسم
الكائن بعد عملية الإِخصاب وحسب نظامه
الخلوي ، وهنا تكمن وتعظم القدرة الإلٰهية
مشيئة وخلقا وعلما وٱنسجاما وتوازنا وتكاملا
في منظومة الخلق كسائر منظومات الخلق
الإلٰهية التي تجري بتحكّم ذاتي وبتحكّم خارجي
عام أو ٱستثنائي حسب مشيئة وإرادة الله
جلّت وتعالت قدرته.
ت. المادة الثالثة / أنواع النفس
( مفهومي وتحديدي الجديدان مع الأَدلّة ) :
في حقيقة الأمر لا توجد أنواع للنفس ولكنّ للنفس
سمات وصفات وخصائص تختلف بين نوع وآخر
من الكائنات الحيوانية محكومة بمنظومة الخلق
الإلٰهي والنظام الخلوي وطبيعة الحياة وتكوين
وطبيعة العقل والقدرات والحاجات والغرائز لكل نوع
من هذه الكائنات الحيوانية ، وتختلف أيضا ضمن
النوع الواحد ببعض التمايز في الحال والصفات
نسبة إلى مستوى القدرات العقلية وتأثير الجينات
الوراثية والأحوال والظروف والبيئة والطبائع ،
وهذا التمايز يظهر بين إنسان وآخر بشكل واضح ،
ولاكن عند النوع الواحد من الحيوانات يكون طفيفا
أو قد لا يكون بسبب طبيعة عقل الحيوان المختلفة
عن طبيعة عقل الإنسان مع كل ما يرتبط من الغايات
والحاجات والطبائع والسلوكيات بهذا العقل.
وبما أنّه يوجد ٱختلاف كبير بين الإنسان والحيوان
في الخلق والشكل والعقل والبصائر وطبيعة
العيش والحياة ، وفي ما يمتلكه الإنسان من
مؤهلات أعلى من الحيوان في العقل والحس
والإحساس والإدراك والبديهة والبصيرة والشعور
والمشاعر والغرائز والسعي والتدبر ، وفي
المؤهلات التي يمتلكها الإنسان ولا يمتلكها الحيوان
من النطق والضحك والفكر والتفكر والخيال وطبيعة
السعي والعمل والأمل المفتوح ، ومن الكشف
والٱكتشاف والآختراع والٱبتكاروالإبداع والتطوير
والوصول والبلوغ والتغيير والتجديد والتملك
والتحصيل والطموح ، ومن ما كرمه الله به دون
الحيوان وأهمها أنّه خلقه بأحسن تقويم وشاء له
الخلود بعد الحساب والجزاء ، ولأنّ الإنسان مكلّف
ومسؤول ، والحيوان غير مكلّف وغيرمسؤول ، إِذن
يجب أَن نضع تصنيف معقولا ومقبولا لأَنواع النفس
يلائم ويوافق هذا الفرق والتفاوت بين الإنسان
والحيوان.
وعند الرجوع إِلى ما ذكره بعض الفلاسفة والعلماء
من أنّ هناك أنواع للنفس مثل الباطنية والخارجية
والنباتية أو النامية النباتية ( النبات ليس له نفس
وروح كما ذكرته آنفا ) والحسية الحيوانية
والناطقة القدسية والكلية الإلٰهية فأَنا لا أُؤيّد تصنيف
وتسميات هذه الأَنواع مطلقا لأَنّها غير مكتملة
الصِّحة ومشتّتة غير محددة الحصر والإحاطة وغير
منسجمة مع حقيقة نوع الكائنات الحية.
كما إِنّ ما ذكره القرآن الكريم عن النفس مثل النفس
الأمّارة بالسوء والنفس اللّوامة والنفس الملهَمة
والنفس المطمئِنّة والنفس الراضية والنفس المرضيّة
فهي ليست أنواع كما فسرها بعض أَهل العلم وإنّما
هي صفات وسمات وخصائص للنفس تعتمد على
إِيمان الإنسان وعلى المؤثرات التي تؤثّرعليه
ٱعتقادا وسلوكا في الفرض والخيار.
لذا وٱعتمادا على ما تقدّم من توضيح وأَدلّة فقد
حدّدت أَنا نوعين للنفس فقط سأَذكر مفهوميهما
لاحقا في مادة مستقلة ، وهما :
أولا. النفس الإنسانية.
ثانيا. النفس الحيوانية.
ث. المادة الرابعة / مفهوم الروح
( مفهومي الجديد مع الأَدلَّة ) :
الروح من علم الله تحديدا ولا يجوز لنا التكهّن بها
والبحث فيها من منطلق الوصول إلى حقيقة ماهيتها
، والآية القرآنية رقم 85 من سورة الإسراء أقرّت
هذا التخصيص ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
[ سورة الإسراء الآية 85 ]
، ولكنّي ومع هٰذا التحديد أُقدِّم هنا مفهومي العام
الجديد عن الروح الذي أَراه ينسجم أكثر علما
وعقلانية مع عظمة القدرة الإلٰهية ومع الآيات
القرآنية الكريمة التي تطرّقت إلى الروح ، وهو :
الروح طاقة نورانيّة غيبيّة حيّة من طاقاتات الخلق
الإلٰهية التي تُحدِث الإحياء في الجسد الحيواني
ٱتصالا به وٱندماجا وٱتّحادا معه بشكل مستمرلتُكوِّن
مع هذا الجسد كيان النفس فيحيا حياته ، أي أنّ
النفس تتكون من الروح والجسد معا بعد الٱتصال
والٱندماج والآتّحاد بينهما لتصير النفس كلّ كيان
الكائن الحيواني روحا وجسدا وعقلا فتجعله كائنا
حيا يؤدي الفعاليات الحياتية من خلال أعضائه
الحيوية بما يوافق ويطابق منظومة الخلق الإلٰهية
ونظام الأَحياء الخلوي والفسيولوجي ( وظائف
الأَعضاء ) للكائن الحيواني بكل خصائصه وصفاته.
والروح ليس لها أَنواع ولٰكنّها تختلف بصفات
طاقتها في إِحداثها الإِحياءَ في الكائنات الحيوانية
وتكوين صفات وخصائص كلّ نوع من هذه الكائنات
، ولهذا تميّزت الروح الإِنسانية إِذا صحّ التعبير
بصفات وخصائص التفوّق والتكريم عن غيرها لأَنّ
الله سبحانه قد نفخ في جسد الإِنسان من روحه
وجعله في أَحسن تقويم وكرّمه بأَفضل الصفات
والخصائص ورفعه على بقية مخلوقاته ، لذا يمكنني
أَن أُحدّد نوعين للروح تعظيما لإِرادة الله وتكريما
للإِنسان وطبيعة خلقه هما الروح الإِنسانية والروح
الحيوانية.
أمّا أدلتي على هذا المفهوم هي :
أولا. الدليل المنطقي وهو أنّ ٱختيار كلمة الطاقة
النورانيّة الغيبية الحيّة للمعنى هو أكثر قربا
إِلى مفهوم إيجاد الروح أو نفخها في الخلق
الأول ، وأعتقد لا توجد كلمة بديلة ومعنى آخر
أكثرصحة من تعبير الطاقة مع مفهوم الإيجاد
والنفخ ، ثمّ إنّ هذا المعنى يحقّق ربطا متّصلا
متّحدا معقولا بين معنى الروح ومعنى النفس
في الجسد بتحديد واضح متجانس حسب
التكوين والٱتصال والآندماج والآتّحاد بينهم .
ثانيا. الآيات القرآنية التي تطرقت وأشارت إلى أَنّ
الله قد نفخ من روحه في جسد الإِنسان الأَول
إلتي ٱعتمدتها في إيجاد مفهوم الروح توحي
إلينا أنّ أقرب معنى للروح هي الطاقة
النورانيّة وما عسانا أن نتصوّر غيرها لهذا
الأمر الغيبي ، لهذا فإنّي أعتقد أنّ هذه الطاقة
هي أقرب تعريف ومعنى إلى الروح ، وأكثر
توازنا وتكاملا بحدود واضحة من أيّ تعريف
آخر ، كما إنّي في هذا المفهوم قد حافظت
على حقيقة مفهوم الٱتّصال والآندماج
والآتحاد والتجانس والآنسجام بين الروح
والنفس والجسم .
وفيما يلي الآيات القرآنية التي أشارت
وتطرقت إلى الروح لتدلّل على أنّ هذا
المفهوم للروح هو أكثر قربا وصحّة
من غيره :
( أ ) . ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾
[ سورة ص الآية 72 ]
( ب) . ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾
[ سورة الحجر الآية 29 ]
( ت ) . ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ
قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾
[ سورة السجدة الآية 9 ]
( ث ) . ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا
مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً
لِّلْعَالَمِينَ )
[ سورة الأنبياء الآية 91 ]
( ج ) . ( فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا
إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾
[ سورة مريم الآية 17 ]
( ح ) . ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ
بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ
الْقَانِتِينَ )
[ سورة التحريم الآية 12 ]
ج. المادة الخامسة / مفهوم النفس
( مفهومي الجديد مع الأَدلَّة ) :
أولا. النفس الإنسانية :
النفس الٱنسانية نفس مكلّفة مسؤولة مكوَّنة من
ٱتّصال وٱندماج وٱتّحاد روح الإنسان بجسده
ومعه أي أنّ النفس الإنسانية هي مجموع روح
الإِنسان وعقله وجسده معا ، وهي ذات وكيان
الإنسان ووجوده بكل ما يحمله من العقل والغرائز
والحسّ والإِحساس والإدراك والبصيرة والبديهة
والطبيعة والحبّ والشعور والمشاعر والطبائع
والرغبات والأمل والإِرادة والأَمل والسعي والعمل
والإنجاز والطموح والتحصيل والحوز والتملك
والوصول والبلوغ والفكروالتّفكير والتفكّروالتدبّر
والخيال وكل ما يشعر ويمر به ويرمي إليه .
والنفس الإنسانية نور روح الإنسان المُجَسَّد فيه
روحا ومادة ليجعل من كيانه كيانا حيّا مؤديّا
فعاليّاته الحياتيّة من خلال أَعضائه الحيويّة بما
يوافق ويطابق منظومة الخلق الإِلٰهيّة ونظام
وظائف الأَعضاء في الجسم ( نظام فسلجة
الجسم ) ، ويجعل منه كيانا ذا علوٍّ وتفوُّق
وٱنفتاح وتغيُّر في قدرات العقل والإِدراك
والبصيرة والبديهة والحس والإحساس والحبّ
والشعور والمشاعر وفي الإرادة والسعي والعمل
والأمل والتحصيل والحوز والتملك والجرأَة
والٱقتحام وفي الفكر والتفكير والتفكر والتدبر
والخيال ، ولكن بتفاوت بين إنسان وآخر. وأَنّ
نور الروح هٰذا لا ينطفئ إِلَّا بتعطّل وتوقّف جسم
الإِنسان عن أَداء فعالياته الحيوية تماما وخروج
روحه وموت وتوفّي نفسه .
وعليه فالنفس الإنسانية متغيّرة الحال بتغيّر
الإضاءة والإِظلام والتأَثّر والتأْثير ، فهي مهما
بلغت من حزن وتعاسة وٱنكسار ويأْس وٱنحسار
، أو من زهو وفخر ومجد وٱرتفاع وٱرتقاء
وحصيلة وسعادة ستبقى في دوامة التوافق
والتضاد والتغيّر والتغيير والتجديد حسنا وسوءا
لا تنتهي إلّا بالموت ، ولهذا فإنّ الإنسان ليس له
ٱستقرار نفسيّ ومعنويّ ثابت وإنّما له ٱستقرار
نسبي متغيّر دائما بحكم عدم ٱستقرار وثبات شكل
وطبيعة غوره ومزاجه وسفوره ٱستنادا إلى ما
ذكرناه آنفا وٱعتمادا عليه ، والدليل هو إنّ
الروح التي أوجدها الله أو نفخها من روحه في
خلقه الأول ، والنفس التي تَوّلّدت منها هي مَن
أعطى صفات وخصائص الإنسان وليس غيرها
قطعا .
وقد جاء في عدد من آيات القرآن الكريم أَنّ
للنفس الإنسانية ( لكل إِنسان ) سجلّ محفوظ
مكتوب فيه نواياه وأفعاله وأَعماله وحوادثه تكتبه
الملائكة بأمر الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ليرى
الله بمشيئته وقدرته ومن خلاله ما يغيّره في حياة
الإِنسان الدنيويّة خيرا وحسنا أم شرّا وسوءا،
وليُعرَض هذا السجل يوم الحساب من أجل
الحساب والجزاء والخلود ( راجع الآيات 17 و
18 من سورة ق ، والآية 80 من سورة
الزخرف ، والآيات 52 و 53 من سورة القمر ،
والآية 12 من سورة يس ، والآيات 28 و 29
من سورة الجاثية ، والآيات 10 و 11 و 12
من سورة الٱنفطار ، والآية 47 من سورة
الأَنبياء ، والآيات 62 و 63 من سورة /
المؤمنون ، والآيات 10 و 14 من سورة
التكوير ، والآية 4 من سورة الطارق ).
أمّا أدلّتي على هٰذا المفهوم هي :
( أ ). ٱستنتاجا من مفهوم الروح وٱتصالا به
وٱعتمادا عليه ( مفهومي الذي وضعته
وبيّنته أَنا ) المذكورآنفا في الفقرة ث
المادة الرابعة من الفقرة 2 فحوى ونص
النظرية.
( ب ). واقع حال الإنسان في طبيعته وعقله
وبصيرته وحسه وإحساسه وفكره
وإدراكه وتفكّره وتفكيره وتدبّره وخياله
وإرادته وسعيه وحبه وشعوره ومشاعره
وحاجاته ورغباته وأمله وطموحه
وغاياته وحوزه وتملّكه وتحصيله
ومزاجه وتقلباته وعدم ٱستقراره وجرأته
وٱقتحامه وبلوغه ووصوله وشكله
وعلوّه وكرامته ومقوّماته.
( ت ). أسباب خلق الإنسان وموته ومآله.
( ث ). النفس الإنسانية مكلّفة مسؤولة.
( ج ). الآيات القرآنية التي ذكرت النفس
والروح وتطرقت إليهما ( يمكن الرجوع
إليها ، ولعدم الإطالة لم أُدوّنها هنا )
ثانيا. النفس الحيوانية :
النفس الحيوانية نفس غير مكلّفة وغيرمسؤولة
مكوَّنة من ٱتّصال وٱندماج وٱتّحاد روح الحيوان
بجسده ومعه ، أي انّ النفس الحيوانية هي
مجموع روح الحيوان وعقله وجسده معا ، وهي
كيان ووجود الكائن الحيواني بكل ما يحمله من
العقل والغرائز والطبيعة والحسّ والإِحساس
والبصيرة والبديهة والإدراك والحبّ والشعور
والمشاعر والطبائع .
والنفس الحيوانية نور روح الحيوان المُجَسَّد فيه
روحا ومادة ليجعل من كيانه كيانا حيّا مؤديّا
فعاليّاته الحياتيّة من خلال أَعضائه الحيويّة بما
يوافق ويطابق منظومة الخلق الإِلٰهيّة ونظام
فسلجة الجسم ، ويجعل منه كيانا ذا ثبات محدَّد
في العقل والغرائز والطبيعة والإِدراك والبصيرة
والبديهة والحس والإِحساس والحبّ والشعور
والمشاعر والإدراك ، لا يتغيّر هذا الثبات إِلَّا
تغيّرا طفيفا ضمن حدود طبيعته وغرائزه
وتأَثّراته فقط ثمّ يعود هذا الثبات إِلى ما كان
عليه بعد زوال المؤثر ، وأَنّ هذا النور لا
ينطفئ إِلَّا بتعطّل وتوقّف جسم الحيوان عن أَداء
فعالياته الحيوية تماما وخروج روحه وموت
توفّي نفسه.
لذا فالنفس الحيوانية ثابتة الحال بثبوت العقل
والطبيعة والغرائز والحاجات والتأَثّر والتأْثير ،
ولهذا يكون الحيوان على ٱستقرار نفسيّ ثابت لا
يتغيّر إلّا تغيُّرا آنيا طفيفا في حدود حاجاته
وغرائزه الأساسية وتأَثّره بالطبيعة وما يحيط به
فقط ثمَّ يستقرّ بعد الإِشباع وزوال المؤثر حسب
طبيعة حياته.
وأَدلَّتي على هذا المفهوم هي :
( أ ). ٱستنتاجا من مفهوم الروح وٱتصالا به
وٱعتمادا عليه ( مفهومي المذكور آنفا ).
( ب ). واقع حال الحيوان في طبيعته وحياته
وعقله وحسه وإحساسه وإدراكه
وغرائزه وشعوره ومشاعره.
( ت ). أسباب خلقه وموته ومآله.
( ث ). النفس الحيوانية غير مكلّفة وغير
مسؤولة.
( ج ). الآيات القرآنية التي ذكرت الحيوانات
وتطرقت إليها ( يمكن الرجوع إِليها
ولعدم الإِطالة لم أُدوّنا هنا ).
ح. المادة السادسة / كيفية وحقيقة موت الكائن الحيواني
( مفهومي وتحديدي الجديدان في الفقرات ثانيا وثالثا
أَدناه ) :
أَولا. مقدمة من المعلومات العامة المعروفة أَذكرها هنا
بتأْليفي من أَجل التأْسيس للمفهوم وهي :
( أ ). معنى الموت أَو الوفاة :
ٱنقطاع الجسم الحيواني عن الحياة ٱنقطاعا
كاملا تامّا بعد موت وتوفّي النفس بعد
ٱنفصال الروح عن الجسد الحيواني
وخروجها منه بعد تعطّل الجسم وتوقفه
عن أَداء فعالياته تماما .
(ب ). أَسباب حدوث موت الكائن الحيواني :
( 1). الهرم وٱنتهاء عمر الكائن الزمني
يؤدي إلى تعطيل وتوقّف أعضاء
الكائن عن أَداء فعالياتها الحيوية.
( 2 ). قطع الهواء ( الأُكسجين ) أَو
الماء أَو الغذاء عن الجسم
الحيواني لفترات تتجاوز مدد
التحمّل يؤدي إِلى تعطيل وتوقّف
الجسم عن أَداء فعالياته الحيوية
( مراجعة الكيفية في علم وظائف
أَعضاء الجسم الحيواني
( فسيولوجيا الجسم الحيواني ).
( 3 ). الأَمراض والأَوبئة تؤدي إلى تلف
وتعطيل وتوقف أَعضاء الجسم
عن أَداء فعالياتها الحيوية.
( 4). الحوادث والكوارث تؤدي إلى
تلف وتعطيل وتوقف أعضاء
الجسم عن أَداء فعالياتها الحيوية.
ثانيا. أَسبقية الحدوث بين تعطّل وتوقّف جسم الكائن
الحيواني تماما وبين ٱنفصال وخروج الروح ،
وموت وتوفّي النفس حسب تسلسلها.
( مفهومي الجديد الذي يشكّل جزءا من نظريتي
المستقلة عن الموت ، وقد أَضفته هنا للإِحاطة
والتكامل ) :
( أ). يحدث أَولا تعطّل الجسم الحيواني وتوقّفه
تماما عن أَداء فعالياته الحيوية بأَسباب
الموت ، والدليل هوالواقع الحياتي
للموت ولو كان الأمر مختلف لما أَوجد الله
سبحانه وتعالى أَسباب الموت ولَحدث
الموت بلا سبب وهذا مخالف لطبيعة
وحقيقة واقع الحياة والموت ، أمًا الإِذن
بالموت ( تحديد الأَجل) فأَنّ الله يقدّره بما
يتوافق مع الواقع والأَسباب حسب حكمة
إِرادة مشيئته أي أنّ الموت يحدث بالسبب
، ويحصل الإِذن بالموت حسب ما يقدّره الله
توافقا وٱنسجاما مع الواقع والأَسباب .
(ب). بعد تعطّل وتوقف الجسم الحيواني تماما
يحدث ٱنفصال الروح عن الجسد وخروجها
منه فورا لتصعد إلى بارئها فتحفظ في
خزينة غيبية من خزائن الله لا يعلمها ولا
يعلم مكانها إلَّا هو حتّى يشاء بعودتها إلى
الجسد يوم البعث ، والدليل الأول هو أَنّ
الروح في مفهومنا الذي ذكرناه هي طاقة
نورانية غيبية حية من طاقات الخلق
الإلٰهية التي تُحدِث الإِحياء في الجسد
الحيواني لذا فعندما يتعطل ويتوقف الجسم
الحيواني بأسباب الموت فسوف لا يبقى
وجوب بقائها في الجسد صلة وٱنسجاما
لأنّ الروح لا تموت ، والقرآن الكريم لم
يذكر في آياته كلها موت الروح ، كما إنّ
الروح هي من علم الله فقط وهي عنصر
ودليل الإحياء والٱنبعاث يوم البعث لتعود
إلى الجسد مرة أخرى إذن فكيف تبقى
في الجسد الميت الفاني ، والدليل الثاني
هو مفاهيم الآيات القرآنية الكريمة التي
ذكرت الروح وتطرقت إليها ( يمكن
مراجعة كل الآيات القرآنية التي ذكرت
الروح ولعدم الإِطالة لم أُدوّنها هنا ).
(ت). بعد ٱنفصال الروح عن الجسد وخروجها
منه يحدث موت النفس فورا فيتوفّاها الله
، وموت النفس يعني موت الكائن
الحيواني جسدا وعقلا بكل ما يحمله
وٱنقطاعه عن الحياة تماما ولكن النفس
( بمعنى سجل حوادث وأعمال وأَفعال
الكائن الحيواني المدوّن بكلّ تفاصيل
حياته ) لا تموت كموت الجسد لتبقى في
داخل الجسد وإِنّما يتوفّاها الله ومعنى
التوفّي سنأْخذه من الآية القرآنية
الكريمة رقم 42 من سورة الزمر
وأُضيف عليه مفهومي الجديد بما
يخص توفّي النفس خلال النوم التامّ
للكائن الحيواني ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا
فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42 ] ،
لذا فمعنى التوفّي هو إِنّ الله سبحانه
يتوفَّى النفس التي ماتت أي يُخرجها من
الجسد الحيواني كي يقطعها قطعا تاما
كاملا نهائيا عن الجسد وعن الحياة
الدنيا ليحفظها بسجلّ أَحوالها وأَفعالها
وحوادثها في خزينة محفوظة من
خزائنه الغيبية التي لا يعلمها ولا يعلم
مكانها إِلَّا هو حتّى يشاء ببعثها
وإِعادتها إِلى الجسد يوم البعث ،
ويتوفَّى الله النفس إِثناء النوم التامّ
الكامل للكائن الحيواني أَي يقطعها عن
الحياة قطعا جزئيا من أجل راحة الكائن
الحيواني وتجديد فعالياته وقواه مع
بقاء الروح في الجسم نافذة فاعلة كما
لو كان الكائن صاحيا مع بقاء العقل
والحس والإحساس والإِدراك داخل
الجسم في وضع السكون التام لكن تحت
وضع التحفيز والتأَثّر والتأثير في أيّة
لحظة كي يصحو مرة أُخرى و تتكرر
هذه الحالة ما دام الكائن ينام ولم يمت ،
والدليل على معنى التوفٌي للقطع التام
عن الحياة هو الآية القرآنية نفسها وكل
الآيات القرآنية التي تطرقت إلى تسجيل
حوادث وأعمال وأفعال الإنسان ( سجل
النفس الكامل ) وتطرقت إلى حسابه
( يمكن مراجعة هذه الآيات القرآنية ،
ولعدم الإِطالة لم أُدوّنها هنا )
، والدليل على معنى التوفّي للقطع
الجزئي إثناء النوم التامّ للكائن الحيواني
هو في حقيقة النوم وحقيقة بقاء الحياة
بسبب بقاء الروح في الجسم مع وجود
العقل والحس والإِحساس والإدراك
تحت وضع التحفيز ولٰكن في وضع
السكون والراحة.
ثالثا . تقدير الموت بين أسبابه في الواقع الحياتي
ومشيئة الله في تحديد الأجل ( مفهومي الجديد
الذي يشكّل جزءا من نظريتي المستقلة عن
الموت ، وقد أَضفته هنا للإِحاطة والتكامل ) :
يُقدّر ويُحدّد موعد ووقت موت الكائن الحيواني
بإِذن الله ومشيئته بحسب حكمة الله ورحمته
وتقديره ( تحديدالأَجل ) تتابعا وٱنسجاما مع
أَحوال الكائن وظروفه ومع أَسباب ومقتضيات
الواقع الحياتي ومؤثّراته التي تجري بإِذن الله
، والدليل الأول هو أَنّه لو تم تحديد أَجل الموت
بالتحديد المسبق المطلق لصار أَمره يناقض
حكمة الله ورحمته وعدله في متابعة وتقدير
أَحوال وتغيّرات الحياة ومؤثّراتها الواقعية
وفي متابعة وتقدير أَحوال وظروف وسلوك
الكائن الحيواني ، لذا ومن عدل الله أَن يكون
تقديره في تحديد أَجل الموت متّصلا بأَحداث
حركة الحياة وأَحولها وتغيّراتها التي تجري
بإِذنه ، والدليل الثاني هوتنوّع حالات الموت
وأَسبابه التي تفرضها حركة الحياة الواقعية
بإِذن الله ، والدليل الثالث هو ما فهمته
وٱستنتجته من الآيات القرآنية الكريمة التي
ذكرت أَجل الموت وتطرقت إِليه وهي :
( أَ ). ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ
مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [ سورة آل
عمران الآية 145 ].
( ب). ( قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ
الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا
قَلِيلًا ) [ سورة الأحزاب الآية 16 ].
( ت ). ( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي
الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن
يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ
أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَّحِيمًا ) [ سورة النساء الآية
100 ].
( ث ). ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ
اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚتَحْبِسُونَهُمَا
مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ
ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا
قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا
لَّمِنَ الْآثِمِينَ ) [ سورة المائدة الآية
106 ].
( ج ). ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾
[ سورة البقرة الآية 154 ].
( ح ). ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ
عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا
يُفَرِّطُونَ ﴾ [ سورة الأنعام
الآية 61 ].
( خ ). ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ
فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لَهُنَّ سَبِيلًا ) [ سورة النساء
الآية 15 ].
خ. المادة السابعة / تغيّرات النفس
( مفهومي وتحديدي الجديدان ) :
أَولا. النفس الإِنسانية :
ٱستنادا إِلى مفهوم النفس الإِنسانية الذي ذكرناه
آنفا ، وٱستنادا إِلى واقعها الحياتي بكل
تفاعلاتها وصراعاتها فإِنها تتغير تغيّراعقليا
وفكريا ونفسيا مضطردا في مقدار الحاجة
والسعي والعمل والأمل والطموح والتحصيل
والبلوغ والرغبة والصبر والتحمّل والتعامل
والتفاعل والرأْي والرؤية والقناعة والتمرّد
والٱتزام وفي حالة الحب والشعور والمشاعر
والمزاج واللهو والسعادة وفي كلّ الجوانب
النفسية والمادية للمواكبة والحاجات والرغبات
والقناعات والأَمزجة والمعالجات المتعلقة
والمربوطة بالتغيّرات الحياتية المحيطة
بالإِنسان ، ولٰكنّ النفس عادة ما تحافظ على
ثبوتها وعلى صعوبة تغيّرها في جوانب الإِيمان
والعقيدة وقسم من الطبائع المترسخة والموروثة
التي تأْخذ طابع المبادئ مع إِنها جميعا قابلة
للتغير حسب قوة المؤثرات الزمانية والمكانية
الضاغطة على الإِنسان .
ومن أَهمّ العوامل المؤثرة التي تلزم النفس
الإِنسانية بالتغيٌر نحو الأَفضل أَو الأَسوء حسب
القياسات الإِيمانية والعقائدية والمبدئية
والسلوكيات والطبائع العرفية ، والقياسات
العدلية والأَخلاقية والثقافية والمدنية والتطورية
هي :
(أ). عامل الإِيمان بالله وتوحيده والٱلتزام بما
أَوصانا الله نيّة وعملا وسلوكا من أهم
العوامل الحيوية الذي يساعد الإِنسان على
تغير نفسه نحو الأَحسن والأَفضل ويعتمد
هٰذا التغيرعلى درجة ومستوى اليقين
والتمسك والٱلتزام.
(ب). عامل الحاجة والمصلحة عامل حيويّ
نسبيّ يجبر الإِنسان على تغيّر نفسه نحو
الأَحسن أَو الأَسوء واقعا ومطلبا بحكم
متطلبات العيش والمواجهة والٱستمرارية
والمحافظة على التوازن الزماني والمكاني
للإِنسان في مجابهة الحياة.
(ت). عامل تطوّر الوسائل والخدمات الإِنسانية
وسعة ٱنتشارها عامل حيويّ نسبيّ يجبر
الإِنسان على تغيّر نفسه نحو الأَحسن
غالبا وعلى الٱعتياد والمواضبة
والمواكبة والٱنسجام مع ه‍ٰذا العامل.
(ث). عامل تطوّر المدنية بكل أَحوالها
ومساحتها عامل حيويّ نسبيّ يجبر
الإِنسان على تغيّر نفسه نحو
الأَحسن غالبا بما ينسجم ويواكب الحياة
المتغيّرة المتجددة.
(ج). عامل النظام القانوني للمجتمع عامل
حيوي يجبر الإِنسان على تغيّر نفسه
نحو الأَحسن أَو الأَسوء تنفيذا وٱنسياقا
أَو يدفعه إِلى تغيّر نفسه تغيرا نسبيا
متدرجا حسب مطاوعة الإِنسان تأْثير
هٰذا النظام ، ويعتمد التغير في كلا
الحالتين على نوعية وملائمة القوانين
وعلى قوة بسطها وتنفيذها.
(ح). عامل الثقافة العامة والخاصة عامل مهمّ
حيويّ نسبيّ يساعد الإِنسان على تغير
نفسه نحو الأَحسن غالبا حسب نوع
ومستوى الثقافة .
(خ). عامل التهذيب العامّ والخاصّ عامل
حيويّ نسبيّ يساعد الإِنسان على تغير
نفسه نحو الأَحسن غالبا في كل
الحالات شرط التمسك بالقواعد
الأَساسية لهٰذا النوع من التغير.
(د). عامل الحوادث والكوارث والويلات
والرزايا عامل حيويّ نسبيّ قاس يدفع
الإِنسان إِلى تغير نفسه نحو الأَسوء
غالبا ويعتمد التغيرعلى مستوى
الإِيمان والصبر والتحمّل والقبول
والنتائج والتجديد.
(ذ). عامل الخوف والحزن والألم واليأْس
والفشل والأمراض والموت والخسارة
والفقدان عامل حيويّ نسبيّ قاس يدفع
الإِنسان إِلى تغيّر نفسه نحوالأَسوء
غالبا ويعتمد على مستوى الإِيمان
والصبروالتحمّل والقبول والنتائج
والتجديد.
(ر). عامل الأمن والسلام والفرح والسعي
والعمل والأمل والنجاح والنواتج
والتحصيل عامل حيويّ نسبيّ يدفع
الإِنسان إِلى تغيّر نفسه نحو الأَحسن
والأَفضل غالبا ويعتمد على طبيعة
الأَحوال والظروف والنتائج.
ثانيا. النفس الحيوانية :
لا يطرأ تغير في نفس الحيوان إِلَّا في حدود
الٱفتراس والكوارث والمؤثّرات والبيئة
والحاجات ?

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.