هكذا حدث..مقال نقدي بقلم الاديب والناقد طه عثمان البجاوي

مقال نقدي بعنوان :

“هكذا حدث زرادتش العرب الموت لدجاج الادب”

تَمهيد :

يجمع الدارسون ان البعدين الإيتيقي (الاخلاقي) والاستيتيقي (الجمالي) هما جمان الادب وروحه الا ان اركان الادب الاربعة : الخيال/ الشعور / الفكر / العاطفة/ ليست بنفس الاهمية منها لدى القدماء بمثلها لدى المعاصرين تقديما او تأخير ونقصد هنا ترتيبا ووظيفة .. طالما ان الراى الغالب اليوم يرجح البعد السوسيولوجي (الاجتماعي) في الادب على حساب البعد الذاتي ولما كان سلطان الارادة وديكتاتوية الذات العارفة هما الغالبان في الادب القديم حتى المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر كان الامر على خلافه بعد القرنين الاخيرين (العشرين والواحد والعشرين) .. بعد ان اتهم الاديب انه الهارب من ساحة الوغى والرامي لراية النضال سيبدو انه من الصعوبة بمكان ايجاد اجماع حول ماهية الادب طالما لا يوجد له مفهوم موحد وواحد

الفصل الاول :
البعد الابستيمي ( المعرفي) للادب بين انفاس “حمرا حمرا” ووقاحة الزقفونة وبين وجاهة مشروع الصعلكة الثقافي :

لئن اعتبر النقاد ان الادب حالة ابداعية منبعها ذات عارفة تمتلك من المكسبات الفكرية والملكات العقلية وادوات التواصل من بديع اللغة وبليغ الكلام ما يجعلها قادرة على صنع الابداع الا ان ذلك لايكفي في تقديري طالما انه لقرون من الزمن لم يكن الادب العربي الا حالة ابداعية سادية لم ننتج لنا سوى ادب السلطان..
حتى انه قيل ان ادب الصعلكة بدا بالشعراء الصعاليك الذين مورس ضدهم كل انواع القمع والمنع فبعضهم صلب جورا وبعضهم سجن وبعضهم نفي ولعل الكثير منهم من تخفى وراء اسماء مستعارة معتمدا اسلوب التقية درءا للَمخاطر وطلبا للنجاة من جور السلطان وبطشه ولعل لنا من الامثلة الكثير بدا بالشعراء الصعاليك وحتي اخوان الصفاء وابن المقفع ووصولا الى احمد مطر اليوم وغيره من شعراء النضال
لذلك لم يكن تاريخ الادب العربي سوى عنوان بارز لنمطين من الادب :

_ادب الزقفونة
_ادب الصعلكة

المبحث الاول : الاديب الصعلوك بين قهر المجتمع وتنكيل السلطان :

لا يدرك البعض ان الادب ليس حاجة ذاتية وانما عملية ابداعية معقدة تبتدا بالذات وتنتهي بالاخر ولعل العلاقة بين الذات والاخر لا تقتصر على باث ومتقبل ولا مبدع وناقد وانما هي بين ما يسمى سوسيولوجيا “بالانشباك الاجتماعي” وهو ما اكده علماء الاجتماع ونظروا له .. فالقول بان الادب حالة ذاتية باتت مقولة مردودة ومحدودة في الزمان والمكان طالما ان الانسان يعتبر ” كائن اجتماعي” على حد عبارة ابن خلدون سيد علم الاجتماع السياسي

ولما كان الامر علي هذا النحو فان العملية الابداعية المصنوعة في معمل الذات لم تكن سوى اختزال لثقافة المجموعة حتى وان بدا المبدع مخالف للمجتمع وثائر عليه
وان التحليل السطحي والقائم علي فكرة التنافر العدمي بين الاديب بوصفه ذات مبدعة والمجتمع بوصفه سلطة عليا للتنظيم وللردع لم يكن سوى انتاج عقيم لمدرسة نقدية عرجاء ولعلنا نستانس مما ذهب اليه فلسفة جدل الفكر في التاريخ التي تقوم على مبدأي الصراع والاكتمال وان الاول هو سبب للثاني وان الثاني نتيجة حتمية للاول

وهذا الصراع القائم بين الذات والاخر او الاديب والمجتمع لم يكن سوى حالة ضرورية لتاريخ الفكر البشري وانه لن تحصل الحركة فالاكتمال الا بحصول صدام بين الفكر والَمحسوس او الغريزي والعقلي .. وهذا الصدام لا يجب ان يكون دموي عنيف ينتهي بالضرورة بغلبة طرف على الاخر وقد تكون النتيجة ماساوية ومفادها تسليط عقوبة قاسية علي الذات من قبل الانا الاعلى الاجتماعي وقد لا يكتفي المجتمع بالقتل الَمعنوى والافتراء على المبدع اديبا كان او فيلسوفا او فنانا بتهمة الزندقة ولنا من الامثلة الكثيرة في تاريخ الفكر العربي الاسلامي وايضا المسيحي الغربي مثل ابن رشد وابن المثَقفع والحلاج وبشار بن برد
و ايضا سقراط ونيتشه وابيكتات
لذلك لم تكن في الحقيقة التهمة الزتدقة في حقيقتها بين المبدع والمجتمع وانما هي حرب حول الماهية والوجود ولعل هيڨل قد اكد ان الاعتراف بينهما عند حصول الصراع حتى لا يتحول هذا الصراع الى صدام دموي قهري
وان المجتمع المغلق هو الرافض لكل حركة واكتمال للفكر في التاريخ
ولنا في التاريخ نماذج كثيرة تؤكد سلطتا المال والسياسة ضد المبدع
لذلك تجد البعض قد اختار العزلة والانعزال كما الشاعر الحكيم ابو العلاء الَمعرى شاعر للفلاسفة وايضا الفيلسوف اليوناني الذي عاش طوال حياته في برميل حتى لقبه الفلاسفة فيما بعد فيلسوف البرميل وهو ما اثار حفيظة الملك واهتمامه طالما انه صار خارج عن سلطة الملك

وقد يختار الاديب او المبدع الصعلوك التقية اما باستعمال إسما مستعارا والتخفي عن الانظار كما اخوان الصفاء والعديد من العلماء والفلاسفة وائمة الفقه والادب او اخفاء اعمالهم واخراجها للناس بعد مماتهم بعد وصية يوصى بها لتلامذتهم كما سقراط المعلم الاول:

المبحث الثاني :
الاديب الزقفونة بين امتاع السلطان وغنم كدية البهتان

لم يكن الامر في صراع الاضداد امرا جديدا او مستحدثا خاصا بالمعاصرين وانما هو قديم منذ الشعراء الصعاليك فصراع الحقيقة والواقع والجور والعدل صراع ازلي بحكيه لنا التاريخ دوما في صورة صراع محتدم بين الماساة والملهاة
ولهذا تجد اغلبية الادباء كامل تاريخ الادب العبي بفضلون ثقافة الخنوع والطاعة للسلطان ويتجنبون مخاطر بطشه ولسعة سوطه فتراهم يسخرون كامل عملهم الابداعي خدمة للسلطان ومجلبة لاسعاده وطريقة في امتاعه وكل من يخرج عن قانون السيد الجبار يسجن او يصلب او يقطع اشلاء امام مرآى كل الناس تنكيلا وردعا لذلك كان الادب العربي في معظم اجناسه بدا بالشعر وكل فنون الكلام ادب الامتاع والمؤانسة اما في قصر السلاطين والامراء
مع الجاريات والخلدان او مجالس الانس وكان ذلك مطية لطهور ادب الكدية حتي تحول الادب من نافورة تنبع بالقيمة والمعني والفضيلة الى بيتا للعهر والفحش والرياء والكذب
ولم يعد الهدف طلب الحفيقة وانما الهدف طلب الغنم َالغنيمة من رضا ااسلطان بعد مدحه وتمجيده او حتي التفنن في شعر الغزل والمجون فباتت عطايا السلطان وهداياه قبلة كل الشعراء ومطية كل نحاة الكلام فخرج الادب عن بوصلته المؤسس على ثالوث القيمة / والمعنى / والجمال / الى ثالوث جديد _ ظل لقرون _ الامتاع / التكدي/ رضا السلطان

انتظرونا في الفصل الثاني مع البعد الانثربولوجي لوجاهة مشروع الصعلكة وصفاقة مشروع الزقفنة

طه عثمان البجاوي
الاديب والناقد المتحلج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.