القدس ..مقال بقلم نسيم قبها

القدس والنداء الأخير

نسيم قبها / مدير مركز ذرا للدراسات والأبحاث فلسطين
نائب رئيس مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب فلسطين
عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني

إن الهجمة الإسرائيلية الأخطر، ضد مدينة القدس (مواطنين وممتلكات ومقدسات)، قد حصلت بالفعل ، هكذا لا من تلقاء نفسها.
ولأنها مؤسسة على قواعد وأركان شيطانية مُحكمة، كانت ترتكز على مجموعة الأفكار والمعتقدات والنزعات الدينية المتنامية باتجاه ضرورة إعادة بناء ( الهيكل ) المزعوم، وجاء تسريعها مؤخرا ، في ضوء النتائج القاسية الخيانية ، والإنبطاحية لمجموعة التراخيات العربيّة والإسلامية البائنة بشأن عقيدتها الوطنية والدينية.
فعلاوة على مواقفها الضعيفة والمُخزية (غالباً ) بشأن القدس وسواءً سياسةً وماليّة، فإن هناك جهات من بينها تدعم بقصدٍ ولأغراضٍ أخرى، باتجاه اتمام السيطرة الإسرائيلية عليها كعاصمة موحّدةٍ لها، وكأن كل دعم عربيٍ نظنّه غادر وربما من المنشأ إلى الجيوب الإسرائيلية، فمنذ أن بدأت إسرائيل احتلالها للقدس عقب انتصارها الممنوح في عدوان عام 1967، الذي اعتبرته نصراً دينيّاً، وبرغم التنبيهات المتواصلة باتجاه الكل من العرب والمسلمين، بأن الأخطار الإسرائيلية تحيط بالقدس من كل جانب، وبأنها في خطر وأقصاها في خطر، لكن لا أحد يستجيب كما ينبغي، وكأن المسألة لا تمثّل الخطورة ذات القيمة المُوجبة للوقوف بشأنها، وكأن القدس يمكن مبادلتها بأرضٍ أخرى، وأن الأقصى يمكن الاستعاضة عنه (بألف )صلاة على عتبات المنزل، ويدل على ذلك، بأن جهات عربية وإسلامية وحتى( فلسطينية) ساومت على التخلي عن حقوق في القدس والأقصى.
خلال العقدين الأخيرين ، أخذت الهجمة الإسرائيلية ضد القدس، مسارين شرسين ممنهجين، أحدهما يُكمل الآخر، وكما غير السابق من حيث العنف والشِدّة، وبغض النظر عن ممارسة التمييز والعنصرية القاتلة، ضد السكان المقدسيين أو الحملات الإعلامية الكبيرة والواسعة التي تقوم على مهمّة التحريض ضد سكانها بعامّة، فإن المسار الأول: أخذ شكل الاستيلاء على الأراضي والإعلانات الحكومية عن بناء المزيد من الشقق السكنية داخل المدينة وفي أنحائها ، وآخرها بالأمس ، وبالمقابل القيام بهدم منازل، ومنع مقدسيين آخرين من البناء الطبيعي كما تتداوله الفضائيات العربية بلا نخوة ، بل تجاوزت النشاطات الإسرائيلية إلى محاولات شراء وتملّك منازل ومنشآت مباشرة، وبطرق التفافية أيضاً، داخل الأحياء العربية في القدس العتيقة، في سلوان والشيخ جراح وغيرها من الأحياء والبلدات المقدسية بهدف تحويلها لاحقاً إلى بؤر استيطانية كأمرٍ واقع.
وكان واجبا علينا حول هذا الأمر، ذِكر أن من اللازم مراقبة أنفسنا في من يبتع؟ وكيف نبيع؟ ولمن نبيع؟ ولماذا البيع أصلاً؟ وحتى في ضوء عِلمنا بمسألة البيع بأنها تقوم على الخداع فلماذا تتكرر عمليات البيع؟
والثاني: يتمثّل في هجمةٍ أقوى باتجاه المسجد الأقصى، فقد كانت هناك مؤشرات صارخة باقتراب أن يحقق الإسرائيليون الصهاينة نواياهم بشأن بناء الهيكل، بدءاً بالتهديدات التي تقول بضرورة هدمه وبناء الهيكل، ومروراً بالموجات العارمة بتكرار الاقتحامات وزيادة حِدّتها، حتى أصبحت يومية وبرضى الحكومة ومُرافقة الجيش لها، وبصمت غربي إسلامي مقصود ، وانتهاءً ببروز النوايا كحقائق أمام أعين الكل، بشأن التقسيم الزماني والمكاني للأقصى بين اليهود والمسلمين، سيما وأن إجراءات إسرائيلية بدأت في أحايين كثيرة بشأن الحد من دخول المسلمين إليه.
يهدأ الكثيرون، حين تهمس الحكومة الصهيونية بأن لا نوايا إسرائيلية في التقسيم، أو ما يُمكر به، بأن ليس لديها قبولٌ كافٍ في شأن الاقتحامات اليهودية للأقصى، لكنها كاذبة على أي حال، فهي من جهة لا تريد أن تمنع، ومن أخرى لا تستطيع المنع وهذا أسوأ، كما أن من الحاخامات الذين يرفضون الممارسات الدينية المختلفة داخل الأقصى، هي لا تصب في صالحنا بسبب أنها مُغرضة، وأقلّها لديهم بأن الأوضاع ليست ناضجة بعد.
لم تكن المحاولات الفلسطينية – الضعيفة إلى الآن أساساً- إزاء الهجمة الإسرائيلية المارقة، وسواء العمليات الاحتجاجية أو عمليات متقدمة أخرى، كعملية الدهس والطعن أو محاولة الاغتيال ، لم تكن جاءت عن وسعٍ أو عن طيب خاطرٍ، بل جاءت نتيجة أن لا أحد بين العرب والمسلمين ينوب عن الفلسطينيين، أو يقوم بمساعدتهم على الأقل، ولا يوجد في المكان من يستمع إلى النداء الأخير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.