الباب… قصة بقلم الاستاذ: محمد خلاف

🔴◀️قصة مثيرة جدا

 

✍️بقلم الاستاذ: محمد خلاف

 

🔴◀️__الباب__

 

السايح رجل سقطت ورقة عمره في بئر الزمن ولايدري كيف هرم بسرعة وهو في عقده الخامس ، ظل وحيدا منذ أن ترمّل، له ابن مهاجر بإيطاليا يدعى سعيد يقضي عقوبة حبسية بعد تورطه في السرقة والإتجار الدولي في الممنوعات، وبنت متزوجة بمدينة بعيدة جدا، يعيش كميخالي وسط المتلاشيات،،  نهارا يطوف على عربته المجرورة بحصان( بركي) بين الحواري والأزقة لشراء كل ما يعرض عليه بأثمنة، أو بدون من طرف بعض ممن يريد التخلص من بقاياه،  تلفى عربته تحمل كتبا قديمة متآكلة ،أواني منزلية أثرية، قنينات الجعة الفارغة، كراسي مكسرة، ورق مقوى ، أسلاك كهربائية، قطع حديد ، قنينات بلاستيكية، وكل الأشياء التي فقدت صلاحيتها……يقضي ليله وسط أكوام الخردة في خيمته التي صنعها بنفسه على شكل بيت صغير، بعد أن ضاقت به الأمور المادية ولم يستطع توفير ثمن كراء المنزل حيث حكمت عليه المحمكة بالإفراغ، لكن مهما تكررت الانكسارات لم يتب السايح عن أحلامه،،

يضحك دوما  و هو على حافة الموت يحب الحياة ويريد أن يودعها ضاحكا كما يقول….يقضي وقته الشاغر يستغله في البحث والتنقيب وجمع  وعزل النحاس، والألومنيوم والحديد،والبلاستيك… ومن بين ماظهر له  ذات عشية ،وهو بكوخه باب سيارة بلون أزرق، كان قد اشتراه  من امرأة تسكن بحي راقي  وحيدة بعد وفاة زوجها ،وقد  تركه ابنها  الوحيد عبد العالي المهاجر بإيطاليا بمرآب المنزل لمدة طويلة، بعد أن غيره  بآخر حيث تعرض الأول للاعوجاج  بعد الإحتكاك بعربة مجرورة بحصان ذات يوم أربعاء بطريق السوق الأسبوعي، كما أصبح في نظر أم عبد العالي مجمع الحشرات والصراصير والجردان، فباعته للسايح مقابل بعض مواد النظافة،،،،،فأفخذه واستعمله كمائدة ب(البراكة)، ووضع عليه  قنينة غاز صغيرة،  وبعض الكؤوس،وإبريق، وطاجين صغير، وشمعة…….. استمرت حياة السايح  على ذلك المنوال تتحسن أموره المادية أحيانا بعثوره على بعض الأشياء الثمينة ،وبيعها لتجار يعرفون قيمة التحف  الناذرة…..أصبح السايح في تطوافه البطوطي بين  الأحياء،يعرف كل فئة و كل حي بالمدينة بتفاصيله وكواليسه…… وذات صدفة مر من أمام الأم التي باعت له باب  السيارة، فأخرجت له عدة أحذية قديمة ،وملابس وبعض العجلات المستعملة ،كما وجدت من بين البقايا  لوحتي ترقيم سيارة إيطالية، هي لسيارة ابنها  عبد العالي،،،   فبعدما باع تلك السيارة هنا بالمغرب، لموظف وقام بتعشيرها ،أزال اللوحات الإيطالية واحتفظ بها ،بعدما عوضت بلوحة المغرب، وهي اللوحات التي احتفظ بهما عبد العالي حتى باعتهم أمه للسايح،الذي أعجب بواحدة وبسرعة ألصقها لعربتة بواسطة سلك وملقاط، يجسد حبه لدولة إيطاليا و ألمه الدفين في عدم زيارتها بعد عدة عمليات فاشلة للحريك،سواء عبر قوارب الموت ،أو عبر دولة تونس،ولن ينس أرضه التي باعها بمسقط رأسه مقابل الحصول على فيزا لفرنسا،فتعرض لعملية نصب يذكرها باستمرار،كمن نجا من الحياة بأعجوبة.،وحرقة الهجرة إلى  إيطاليا هي التي تركته بدون منزل كما يقول دوما في حديثه مع ذويه، يكافح ابتسامة تأبى الظهور ما بين الدموع.

أصبحت عربة السايح مصدر قهقهة بعدما أضحت  بترقيم مدينة بيرغامو الإيطالية…….. مر وقت طويل ،فأفرج عن سعيد ابن السايح إلى الإقامة الجبرية، وبعدها إلى السراح النهائي، فتزوج بعد ذلك من شابة إيطالية وفية تدعى مونيكا كانت تشاركه في مغامراته،سواء تعلق الأمر بسرقة السيارات أو الإتجار في الكوكاكين، علمته الحياة  الحب ،  وعلمته التجارب  من يحب ،  وعلمته المواقف  من يحبه،وكانت مونيكا….فهاتف والده برغبته في رؤيته بعد هذه المدة الطويلة التي أمضاها بين القضبان، لكن السايح رفض ذلك جملة وتفصيلا بدعوى عدم وجود منزل يأويهم جميعا، لكن الإبن أصر على ذلك فحل  دون علم الوالد رفقة الإيطالية بإحدى فنادق المدينة، فسأل سعيد عن والده فأرشدوه لمكانه ،ليلتحق به فوجده  غائبا يطوف بين الدروب كديدنه، انتظراه داخل كوخه رفقة حارس الجوطية ،فحل السايح زوالا فعانق ابنه عناقا حارا، الوالد وبكل ما أوتي من فرح أخفى دمعاته،وفي احتشام وحياء سلم على الإيطالية،ودعاهم لتناول الشاي ببراكته،… دار كلام كثير حول الحال والأحوال، والأهل والغربة،والسجن……والعربة متوقفة بحصانها أمام الكوخ، وفي لحظة خاطفة ضحكت الإيطالية على ترقيم العربة الإيطالي ولحق بها سعيد والأب وانخرط الجميع في ضحك جميل، غير أن الإيطالية كانت ذكية صورت اللوحة دون علم أحد لأن اللوحة أوحت لها بشيء ما بعدما تشابهت عليها الأمور في لحظة ولحظات،،،،،و افترقا على أمل اللقاء في الغد لتناول وجبة الغداء رفقة الأب بالفندق،….لكنها بمجرد دخولهما الغرفة حتى أسرعت إلى حاسوبها المحمول للبحث عن شيء ما،في استغراب من سعيد …..فجأة صاحت بالأيطالية( È la mia macchina, è la mia macchina) بعدها شرحت لسعيد أن اللوحة تخص سيارتها المسروقة ضواحي بيرغامو،والتي كانت تخبأ بها مبلغا ماليا مهما من اليورو خوفا من مصادرتها من قبل الكابينيري،،،،   لم يستطيعا الصبر فتوجها ليلا  لكوخ السايح، لسؤاله عن اللوحة، فأرشدهم للمرأة التي أعطته تلك اللوحات ،،،   صباحا  ذهبوا عندها رفقة السايح لسؤالها، وكانت الأم لبقة، خدومة فشرحت لهم أمر السيارة حيث قالت أن ابنها عبد العالي باعها لموظف يسكن بنفس المدينة،ويجلس يوميا  بمقهى معروف قرب الحي، وأن السيارة أصبحت تحمل لوحة مغربية……. ذهب السايح إلى عمله مصدر قوته،فبعد رؤية ولده سعيد  شعر أن شيئاً تحطم في أعماقه غير الأضلاع ، شيء أهم من العظام لا يمكن ترميمه على الاطلاق في لوم داخلي عميق،،،  وانتظر سعيد رفقة مونيكا قدوم الموظف وبعد أن قدموا أنفسهم له وشرحوا له الموضوع ،ووعدوه بحقه في المبلغ ،ترك لمونيكا الحق في البحث  عن المبلغ المالي المخزون بها، لكنهم صدموا  بعد أن علموا أن بابها الأيسر قد تعرض للاحتكاك القوي بعربة مجرورة، وتم تغييره كليا بلافيراي،، في سخط كبير  رافقته العديد من الأسئلة ، والشكوك،والشكوى  انتهى الأمر في نظر مونيكا وسعيد…..، وبعد قضاء مدة إقامتهم بالمغرب توجهوا للجوطية حيث كوخ الأب لوداعه، فوجدوه بصدد إعداد براد شاي منعنع، فجلسوا كالعادة على  كراسي مهترئة هي  في الأصل صناديق بلاستيكية للخضر، وطال حديثهم حتى سألهم السايح في عفوية عن سبب بحثهم عن أم عبد العالي صاحب السيارة،فشرح له سعيد الأمر، ليقول لهم السايح ببرودة دم (تا هاد الباب الأزرق باعتو ليا ديك المرة) فنهضت الإيطالية  بسرعة تفحص الباب وكأنها فهمت الدارجةالمغربية ،وصاحت بصوت اخترق صمت الجوطية(Oh mio Dio, è la portiera della mia macchina) ،فأزالت البلاستيك عن الحديد  هدفها مكان آلة التحكم في الزجاج، لتجد وسط استغراب الجميع حوالي 40,000 يورو كانت مخبأة بعناية داخل الباب، ،،،  فرح الجميع،،،، فما أجمل الصدفة،إنها خالية من الإنتظار،ولعزة نفس السايح وسعيد لم يطمعا في أموالها قط،لأن الذلُّ إلا في الطمع.  فطلبت مونيكا تأجيل موعد الرحيل ، دون الإفصاح عن نواياها،،،،لتقسم بأغلظ الإيمان أن تشتري للسايح منزلا هنا بالمغرب بتلك الأموال،وهو ماكان بالفعل فقصدا حيا شعبيا،واشترت لأب زوجها منزلا يحتوي على (مكازة) للسكن و الاستمرار في عمله،وأصبح السايح  شخصية معروفة في شراء المتلاشيات وإعادة بيعها  ، وكذا شراء  الحديد والنحاس والبلاستيك،كما أصبح يصدر تلك السلع إلى الدار البيضاء عبر شاحنته الخاصة،،،،وأقام بعد سنة من ذلك سعيد ومونيكا عرسا مغربيا، بعد أن أسلمت وأصبح اسمها فاطمة،و أصبح للسايح أوراق أقامة دائمة بايطاليا ،وبدأ في البحث عن زوجة تشاركه بقية حياته ولن تكون سوى أم سعيد التي باعت له الباب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.