يومٌ ماطر.. قصة قصيرة بقلم د. أماني سعد ياسين

قصة قصيرة بعنوان ” يومٌ ماطر في مدينة الضباب

يومٌ ماطر في مدينة الضباب

استلقيت في فراشي شاردةً بنظري نحو اللامكان ونحو الزمان الآتي بجمال المستحيل. كنت اتأمل قطرات المطر وهي تضرب بلطف نافذة غرفتي في منزلي الجديد في إحدى ضواحي مدينة لندن الجميلة. كنت قد أردت وتهيأت للخروج قبل ساعة من الوقت وكالعادة وبسبب استعجالي للخروج لم أنظر من النافذة لأرى حال الطقس كما لم أتكلف عناء البحث في محرك غوغل عن الطقس لهذا اليوم وكما كان الحال معي في كثير من الأيام. لبست وتحضّرت للخروج ولم أنسَ أن أجلب معي الأشياء التي اشتريتها منذ أيام عدة من احد المحال وكنت قد صمّمتُ على أن أرجعها للمحل ذو الإسم الشهير والواجهة العريضة على الشارع الرئيسي العريض على بعد شارعين من منزلي. وصلت إلى باب منزلي أريد الخروج، فتحت باب المنزل ويا للمفاجأة، السماء تمطر بغزارة وكأننا في فصل الشتاء. لم يكن هذا غريباً في مدينة الضباب لندن حيث قد تمطر السماء بغزارة في أشهر الصيف ومن دون أي مقدّمات. وعلى هذا الحال، مرّ شهري تموز وآب بالكثير من المفاجآت الماطرة والطقس المتقلّب. وليس غريباً على مدينة لندن أن تمرّ الفصول الأربعة بسلاسة عجيبة في اليوم الواحد. وليس غريباً أن تكون قد خرجت للاستمتاع بأشعة الشمس في يومٍ مشمسٍ صاحٍ وفجأةً تجد نفسك تفتش عن مخبأ من المطر الشديد الذي أتى فجأةً على ظهر سحابةٍ محمّلةٍ بالمطر وبكل الخير طبعاً. ومن أجمل ما تراه هنا في مدينة الضباب الشباب والشابات الذين يمارسون هوايتهم بالرياضة وخصوصاً رياضة الركض تحت المطر. الآن فقط وبعد مضي أكثر من عام على وجودي في هذه المدينة الجميلة فهمت لم الناس هنا لا تتوانى عن الخروج والمشي والركض وممارسة كافة النشاطات والفعاليات تحت المطر الشديد فلو كان غير ذلك لما كان بامكانهم العيش في هذا الطقس الشديد التقلّب كتقلّب بعض السياسيين في بلدي لبنان. وكثيراً ما كنت أطلق النكات حول حال البريطانيين وألقبهم بالنباتات التي تنتعش وتتغذى وتنشط عروقها وتمتلئ بالنشاط تحت المطر. وكثيراً ما كنت أرى الفتيات والفتيان يقفون تحت المطر الشديد يتبادلون أطراف الحديث بكل راحة وطبيعية وأنا أنتظر خروج ولدي من المدرسة آخر النهار فيما أنا أعانق مظلتي كي لا أتبلل بالمطر. وكنت قد بدأت بالتعوّد على هذا الطقس المتقلّب والذي عوّدني أن الطقس الذي قد أراه من نافذة غرفتي قبل التحضّر والتهيؤ للخروج من المنزل هو غير الطقس الذي أراه عند باب المنزل فيما بعد. ولهذا فقط فإن أحاديث البريطانيين اليومية بعد السلام والتعارف هو السؤال والتعليق باستطالة على حال الطقس اليوم وفي الايام الآتية أو تلك التي مضت. ولا يخلو الحديث مع أحدهم مهما قصُر من تعليق ولو مقتضب عن حال الطقس لهذا اليوم أو للاسبوع الآتي وهكذا. واليوم تحديداً لم اتكلّف عناء النظر من النافذة تقصيراً واتكلت على ذاكرتي القصيرة وعلى صورة الشمس الساطعة البارحة والتي ما زالت متمثّلةً في ذهني منذ البارحة وكل الأيام الماضية لأتفاجأ اليوم بالمطر المنهمر على باب منزلي عندما أردت الخروج . دخلتُ إلى المنزل ولم أتردّد أبداً في تغيير ملابسي وكلّ خططي لليوم التي كنتُ قد رسمتها مسبقاً وانددست تحت ملاءتي الزهرية المخملية في فراشي الوثير وأنا أتأمل قطرات المطر وهي تضرب نافذة غرفتي والأشجار الباسقة تحركها الرياح يمنةً ويسرةً وتعانقها بعدما فتحت الستائر الرومانية المزخرفة وتركت النور يضئ الغرفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.