من حكايا جدتي…. بقلم علي محمود الشافعي

من حكايا جدتي

ياويلهم اذا شمّرت
قصة من التراث الفلسطيني
بقلم: علي محمود الشافعي
كان ياما كان في قديمِ الزمان وسالِف العصر والأوان قبيلة من القبائل المنتشرة على طول بلاد بني عرب وعرضها . شيخ القبيلة حاز المجد من أطرافه فورث المشيخة كابِرا عن كابر .
وعلى العادة كان رجال القبيلة يجتمعون عنده كل ليلة ، يتسامرون ويتعللون ويستمعون إلى الشعّار والرواة يشيدون بأمجاد القبيلة ومفاخرها وأيامها , وقصص الشجاعة والكرم التي يتميز بها شيوخ القبيلة ، وكان الشيخ يغدق الأموال الطائلة عليهم ليذيعوا صيته بين العربان ، وكان أيضا يحرص على أن يجمع حوله بعض الندماء الذين يزينون للناس ما يقول ويفعل (جوقة التطبير والتزمير )، ويؤمّنون على قصصه عن الفروسية والشجاعة والكرم ، وبلائه في المعارك التي خاضها مع الخصوم ، وأن الأمان الذي تنعم فيه القبيلة بسببه خوف الأعداء من بطشه وسطوته . ويختم دائما الحكايات بقوله : ( يا ويلهم إذا شمّرت عن ساعديّ وساقيّ وحملت النبوت) . والنبوت لمن لا يعرفه عصا طويلة بطول الرمح، تقطع من فرع شجرة ثم تثقّف وتهذّب وتشوى بالنار وتسقى بالزيت, فتزداد قوة وصلابة. وطبعا كلما سمع القوم كلامه أسندوا ظهورهم إلى واسط البيت , وحمدوا الله إذ وهبهم شيخا بهذه المواصفات ، فلا يهابون الغزو . ثم يتناقل الشعراء ذلك الحديث ويقولون فيه القصائد العصماء التي سرعان ما تقطع الفيافي والقفار وتجوب البوادي والأمصار فتدار معها الفناجين , ويسهر عليها السمار .
في ذلك الزمان كانت القبائل تعيش على الغزو والسلب والنهب ,وكان سلاحهم السيوف والرماح والعصي . سمع أحد زعماء القبائل بشيخنا فغاظه ذلك ، فقرر أن يعزوه ليحطم كبرياءه وغروره, وليصبح هو مقصد الشعّار والرواة ، وفعلا هجم عليه في ليلة غاب قمرها وأظلمت سماؤها وبرد جوها , فهب أهل القبيلة إلى الشيخ يستنجدونه ، فقال لهم : لا تقلقوا , الويل ثم الويل للغزاة إذا شمّرت وحملت النبوت , ناوشوهم أنتم ريثما أتجهز . قاوم الرجال قليلا ولكن سرعان ما هُزموا , فهرعوا للشيخ : شيخنا الغزاة كثيرون لا طاقة لنا بهم ،قال : لا تهتموا انتظروا قليلا حتى أتشمر ، وبعدها سترون عجائب أفعالي . بعد فترة عادوا : يا شيخ قتل فلان وفلان وعلان وأُحرقت البيوت ونهبت الأموال ، قال : لا يهمّنكم هذا , سترون ماذا سأفعل بهم ، فقط انتظروا ريثما أشمر وأحمل النبوت . يا شيخ : سبيت النساء والأطفال , قال : لا تهتموا دعوني أكمل استعدادي وبعدها سترون . يا شيخ : نهب بيتك، وأخذت زوجتك وأموالك ومواشيك . نفس الإجابة , وأخيرا أنهى الشيخ استعداده وخرج ليجد نفسه وحيدا بملابسه الداخلية فقط فقال : أخ لو انتظروا حتى أنهي استعدادي, لكنهم جَبُنوا فهربوا .
قلت هذا المثل يشبه المثل العربي المشهور : أوسعتهم شتما وفازوا بالإبل .
أما الذي ذكرني بالمثلين ــ يا رعاكم الله ــ هو ما ترون وتسمعون من قرع طبول الحرب في كل مكان , العالم كله يقف على ساق واحدة , يحبس أنفاسه خوفا من غلطة قد تفني البشرية. الكل يستعد ويطلق خيله من عنانها وينشر أسلحة الفتاكة في طول بلاد المعمورة وعرضها ، والتهديد والوعيد ، مما ينذر بحرب عالمية جديدة ، إلا نحن! وكأننا خارج هذا الكوكب ,فلا نَعُدّ للقادم عُدّته وأصلا ليس عندما ما نعدّه ، كيف لماذا ؟ لا أدري , أقوياء على رعايانا وذوي القربى ، خُورٌ في معاركنا مع أعدائنا , دائما نحتفظ لأنفسنا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين ، ونتساءل متى وأين وكيف؟ فلا من مجيب . طابت أوقاتكم .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.